( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) . . وذلك في موقف من مواقف ذلك اليوم المشهود . الذي ستكون فيه مواقف شتى . منها ما يسأل فيه العباد ، ومنها ما لا يسألون فيه عن شيء . ومنها ما تجادل كل نفس عن نفسها ، وما تلقي به التبعة على شركائها ، ومنها ما لا يسمح فيه بكلمة ولا جدال ولا خصام ! فهو يوم طويل مديد . وكل موقف من مواقفه هائل مشهود .
{ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } السؤال المنفي هنا هو على وجه الاستخبار وطلب المغفرة إذ لا يحتاج إلى ذلك لأن المجرمين يعرفون بسيماهم ولأن أعمالهم معلومة عند الله مكتوبة في صحائفهم ، وأما السؤال الثابت في قوله : { فوربك لنسألنهم أجمعين } [ الحجر : 92 ] وغيره ، فهو سؤال على وجه الحساب والتوبيخ فلا تعارض بين المنفي والمثبت وقيل : إن ذلك باختلاف المواطن والأول أحسن .
ولما كان يوم القيامة ذا ألوان كثيرة ومواقف مهولة طويلة شهيرة تكون في كل منها شؤون عظيمة وأمور كبيرة ، ذكر بعض ما سببه هذا الوقت من التعريف بالعاصي والطائع بآيات جعلها الله سبباً في علمها فقال : { فيومئذ } أي فسبب عن يوم انشقت السماء لأنه { لا يسئل } سؤال تعرف واستعلام بل سؤال تقريع وتوبيخ وكلام ، وذلك أنه لا يقال له : هل فعلت كذا ؟ بل يقال له : لم فعلت كذا ، على أنه ذلك اليوم طويل ، وهو ذو ألوان تارة يسأل فيه وتارة لا يسأل ، والأمر في غاية الشدة ، وكل لون من تلك الألوان يسمى يوماً ، فقد مضى في الفاتحة أن اليوم عبارة عن وقت يمتد إلى انقضاء أمر مقدر فيه ظاهر من ليل أو نهار أو غيرهما لقوله تعالى{ إلى ربك يومئذ المساق }[ القيامة : 30 ] أي يوم إذا بلغت الروح التراقي وهو لا يختص بليل ولا نهار ، وبناه للمفعول تعظيماً للأمر بالإشارة إلى أن شأن المعترف بالذنب لا يكون خاصاً بعهد دون عهد بل يعرفه كل من أراد علمه ، وأضمر قبل الذكر لما هو مقدم في الرتبة ليفهم الاختصاص فوجد الضمير لأجل اللفظ فقال : { عن ذنبه } أي خاصة وقد سئل المحسن عن حسنته سؤال تشريف له وتنديم لمن دونه .
ولما كان الإنس أعظم مقصود بهذا ، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم منهم ، وكان التعريف بالشاهد المألوف أعظم في التعريف ، وكان علم أحوال الشيء الظاهر أسهل ، قدمهم فقال : { إنس } ولما كان لا يلزم من علم أحوال الظاهر علم أحوال الخفي ، بين أن الكل عليه سبحانه هين فقال : { ولا جان * }
قوله : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } أي يوم تنشق السماء وتتلون كالأصباغ من هول الأحداث لا يسأل أحد من الإنس أو الجن عن ذنبه ، بل سائر الخلق من الثقلين صامتون لا يتكلمون . والتوفيق بين هذه الآية وغيرها من الآيات الدالة على سؤال العباد عن أعمالهم كقوله سبحانه : { فوربك لنسألنّهم أجمعين } أن يوم القيامة يوم طويل وفيه مواطن كثيرة ، فيسأل الناس في مواطن ولا يسألون في موطن آخر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.