في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الذاريات مكية وآياتها ستون

هذه السورة ذات جو خاص . فهي تبدأ بذكر قوى أربعة . . من أمر الله . . في لفظ مبهم الدلالة ، يوقع في الحس لأول وهلة أنه أمام أمور ذات سر . يقسم الله - تعالى - على أمر : والذاريات ذروا ، فالحاملات وقرا ، فالجاريات يسرا ، فالمقسمات أمرا . إنما توعدون لصادق . وإن الدين لواقع . .

والذاريات . والحاملات . والجاريات . والمقسمات . . مدلولاتها ليست متعارفة ، وهي غامضة تحتاج إلى السؤال والاستفسار ، كما أنها بذاتها تلقي في الحس ذلك الظل . ولعله هو المقصود الأول منها في جو هذه السورة .

وما يكاد القسم الأول ينتهي حتى يعقبه قسم آخر بالسماء : ( والسماء ذات الحبك ) . . يقسم بها الله تعالى . على أمر : ( إنكم لفي قول مختلف ) . . لا استقرار له ولا تناسق فيه ، قائم على التخرصات والظنون ، لا على العلم واليقين . .

هذه السورة : بافتتاحها على هذا النحو ، ثم بسياقها كله ، تستهدف أمرا واضحا في سياقها كله . . ربط القلب البشري بالسماء ؛ وتعليقه بغيب الله المكنون ؛ وتخليصه من أوهاق الأرض ، وإطلاقه من كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله ، والانطلاق إليه جملة ، والفرار إليه كلية ، استجابة لقوله في السورة : ( ففروا إلى الله ) . . وتحقيقا لإرادته في عباده : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) . .

ولما كان الانشغال بالرزق وما يخبئه القدر عنه هو أكثف تلك العوائق وأشدها فقد عني في هذه السورة بإطلاق الحس من إساره ، وتطمين النفس من جهته ، وتعليق القلب بالسماء في شأنه ، لا بالأرض وأسبابها القريبة . وتكررت الإشارة إلى هذا الأمر في السورة في مواضع متفرقة منها . إما مباشرة كقوله تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) . . ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) . . وإما تعريضا كقوله يصور حال عباده المتقين مع المال : ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) . . ووصفه لجود إبراهيم وسخائه وهو يقري ضيوفه القلائل - أو من حسبهم ضيوفه من الملائكة - بعجل سمين ، يسارع به إليهم عقب وفودهم إليه ، وبمجرد إلقاء السلام عليه ، وهو لم يعرفهم إلا منذ لحظة !

فتخليص القلب من أوهاق الأرض ، وإطلاقه من إسار الرزق ، وتعليقه بالسماء ، ترف أشواقه حولها ، ويتطلع إلى خالقها في علاه ، بلا عائق يحول بينه وبين الانطلاق ، ويعوقه عن الفرار إلى الله . هو محور السورة بكل موضوعاتها وقضاياها التي تطرقها . ومن ثم كان هذا الاقتتاح ، وكان ذلك الإيقاع الغامض في أولها ، وكان القسم بعده بالسماء ، وكان تكرار الإشارة إلى السماء أيضا . .

وفي هذا كانت صورة المتقين التي يرسمها في مطلع السورة : ( إن المتقين في جنات وعيون . آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين . كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون . وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) . . فهي صورة التطلع إلى الله ، والتجرد له ، والقيام في عبادته بالليل ، والتوجه إليه في الأسحار . مع إرخاص المال ، والتخلص من ضغطه ، وجعل نصيب السائل والمحروم حقا فيه .

وفي هذا كان التوجيه إلى آيات الله في الأرض وفي الأنفس مع تعليق القلوب بالسماء في شأن الرزق ، لا بالأرض وما فيها من أسبابه القريبة : ( وفي الأرض آيات للموقنين . وفي أنفسكم أفلا تبصرون . وفي السماء رزقكم وما توعدون ) . .

وفي هذا كانت الإشارة إلى بناء الله للسماء على سعة ، وتمهيده للأرض في يسر ، وخلقه ما فيها من أزواج ، والتعقيب على هذا كله بالفرار إلى الله : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون . والأرض فرشناها فنعم الماهدون . ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ) . .

وفي هذا كان الإيقاع الأخير البارز في السورة ، عن إرادة الله سبحانه في خلق الجن والإنس ، ووظيفتهما الرئيسية الأولى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) . .

فهو إيقاع واحد مطرد . ذو نغمات متعددة . ولكنها كلها تؤلف ذلك الإيقاع ، وتطلق ذلك الحداء . الحداء بالقلب البشري إلى السماء !

وقد وردت إشارات سريعة إلى حلقة من قصة إبراهيم ولوط ، وقصة موسى ، وقصة عاد ، وقصة ثمود ، وقصة قوم نوح . وفي الإشارة إلى قصة إبراهيم تلك اللمحة عن المال ؛ كما أن فيها لمحة عن الغيب المكنون في تبشيره بغلام عليم ، ورزقه هو وامرأته به على غير ما توقع ولا انتظار . وفي بقية القصص إشارة إلى تصديق وعد الله الذي أقسم عليه في أول السورة : ( إنما توعدون لصادق )والذي أشار إليه في ختامها إنذارا للمشركين : ( فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون ) . . بعد ما ذكر أن أجيال المكذبين كأنما تواصت على التكذيب : ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا : ساحر أو مجنون . أتواصوا به ? بل هم قوم طاغون ! ) . .

فالقصص في السورة - على هذا النحو - مرتبط بموضوعها الأصيل . وهو تجريد القلب لعبادة الله ، وتخليصه من جميع العوائق ، ووصله بالسماء . بالإيمان أولا واليقين . ثم برفع الحواجز والشواغل دون الرفرفة والانطلاق إلى ذلك الأفق الكريم .

( الذاريات ذروا ، فالحاملات وقرا ، فالجاريات يسرا ، فالمقسمات أمرا . . إن ما توعدون لصادق ، وإن الدين لواقع . . )

هذه الإيقاعات القصيرة السريعة ، بتلك العبارات الغامضة الدلالة ، تلقي في الحس - كما تقدم - إيحاء خاصا ، وتلقي ظلا معينا ، يعلق القلب بأمر ذي بال ، وشأن يستحق الانتباه . وقد احتاج غير واحد في العهد الأول أن يستفسر عن مدلول الذاريات ، والحاملات ، والجاريات ، والمقسمات . .

قال ابن كثير في التفسير : قال شعبة بن الحجاج ، عن سماك بن خالد بن عرعرة ، أنه سمع عليا - رضي الله عنه - وشعبة أيضا عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، أنه سمع عليا - رضي الله عنه - وثبت أيضا من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه صعد منبر الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلا أنبأتكم بذلك . فقام ابن الكواء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما معنى قوله تعالى : ( والذاريات ذروا )? قال علي - رضي الله عنه : الريح . قال : ( فالحاملات وقرا )? قال - رضي الله عنه - : السحاب . قال : ( فالجاريات يسرا )? قال - رضي الله عنه - : السفن . قال : ( فالمقسمات أمرا )? قال - رضي الله عنه - : الملائكة .

وجاء صبيغ بن عسل التميمي إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فسأله عنها فأجابه بمثل ما روي عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وقد أحس عمر - رضي الله عنه - أنه يسأل عنها تعنتا وعنادا فعاقبه ومنعه من مجالسة الناس حتى تاب وحلف بالأيمان المغلظة : ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا . . وهذه الرواية تشي كذلك بأن غموض مدلولات هذه التعبيرات هو الذي جعل المتعنتين يستترون وراءها ويسألون عنها !

وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد ؛ ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك [ كما قال ابن كثير .

أقسم الله - سبحانه - بالرياح التي تذرو ما تذروه من غبار وحبوب لقاح وسحب وغيرها مما يعلم الإنسان وما يجهل . وبالسحاب الحاملات وقرا من الماء يسوقها الله به إلى حيث يشاء . وبالسفن الجاريات في يسر على سطح الماء بقدرته وبما أودع الماء وأودع السفن وأودع الكون كله من خصائص تسمح بهذا الجريان اليسير . ثم بالملائكة المقسمات أمرا ، تحمل أوامر الله وتوزعها وفق مشيئته ، فتفصل في الشؤون المختصة بها ، وتقسم الأمور في الكون بحسبها .

والريح والسحاب والسفن والملائكة خلق من خلق الله ، يتخذها أداة لقدرته ، وستارا لمشيئته ، ويتحقق عن طريقها قدر الله في كونه وفي عباده . وهو يقسم بها - سبحانه - للتعظيم من شأنها ، وتوجيه القلوب إليها ، لتدبر ما وراءها من دلالة ؛ ولرؤية يد الله وهي تنشئها وتصرفها وتحقق بها قدر الله المرسوم . وذكرها على هذه الصورة بصفة خاصة يوجه القلب إلى أسرارها المكنونة ؛ ويعلقه بمبدع هذه الخلائق من وراء ذكرها هذا الذكر الموحي .

ثم لعل لها كذلك صلة من ناحية أخرى بموضوع الرزق ، الذي يعني سياق هذه السورة بتحرير القلب من أوهاقه ، وإعفائه من أثقاله . فالرياح والسحب والسفن ظاهرة الصلة بالرزق ووسائله وأسبابه . أما الملائكة وتقسيمها للأمر ، فإن الرزق أحد هذه القسم . ومن ثم تتضح الصلة بين هذا الافتتاح وموضوع بارز تعالجه السورة في مواضع شتى .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الذاريات مكية وآياتها ستون ، نزلت بعد سورة الأحقاف . وموضوعها كموضوع السور المكية : أصول العقيدة والاعتقاد بوحدانية الله ، وأنه هو الخالق الرازق ، المحيي والمميت ، والمتصرف في الكون بما يشاء .

وتبدأ السورة بالقسَم بأربعة أشياء هي : الرياح ، والسحب ، والسفن ، والملائكة ، على صِدق البعث ووقوع الجزاء . ثم تردف بقسم آخر على اضطراب المنكرين فيما يقولونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم . فيُقسم تعالى بالسماء ذات الحُبُك المنسّقة المحكمة البناء والتركيب- كتنسيق الزرَد المتشابك المتداخل الحلقات- على اضطراب أقوالهم ، وأنهم يعيشون في أوهام وظنون في أمر البعث .

ثم تنتقل السورة إلى إنذار المنكرين بسوء مآلهم في الآخرة ، وتصوير ما أعد الله للمتقين فيها جزاء ما قدّموا من أعمال صالحة في الدنيا .

ثم توجه الأنظار إلى التأمل في آيات الله في هذا الكون الكبير العجيب ، وفي الأنفس وما فيها من عجائب الصنع ولطائف الخلق ، وأن الرزق مؤمّن للجميع ، { فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } لا شك في ذلك ولا ريب .

ثم تحدثت عن قصة إبراهيم مع ضيوفه من الملائكة الذين بعثهم الله لإهلاك المكذبين من قوم لوط ، وبشروا إبراهيم بغلام عليم من زوجته التي كانت عقيما . ثم تعرض السورة لأحوال بعض الأمم وما أصابهم من الهلاك بتكذيبهم لأنبيائهم ، مثل قوم نوح وعاد وفرعون وثمود . وتشير بعد ذلك بإجمال إلى بعض الآيات الكونية لتحث الناس على الرجوع إلى الله ، وإفراده بالعبادة ، وتخاطب الرسول الكريم { فتولّ عنهم ما أنت بمَلوم ، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } . وفي هذا تسلية للرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه . وفي الختام تذكر السورة الغاية من خلق الجن والإنس ، وهي العبادة ، وأن الله غني عنهم جميعا { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون } . ثم يجيء الإنذار للمكذبين { فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون } .

الذاريات : الرياح تذرو الترابَ وغيره ، وهي تحمل معها الحياة لأنها تسوق السحاب ، كما تحمل الدمار أحيانا .

أقسَم الله تعالى بهذه الأشياء : بالرياح المثيراتِ للتراب وغيره .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجميع وهي ستون آية

قوله تعالى : " والذاريات ذروا " قال أبو بكر الأنباري : حدثنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد أن رجلا قال لعمر رضي الله عنه : إني مررت برجل{[14196]} يسأل عن تفسير مشكل القرآن ، فقال عمر : اللهم أمكني منه ، فدخل الرجل على عمر يوما وهو لا بس ثيابا وعمامة وعمر يقرأ القرآن ، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ما " الذاريات ذروا " فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ، ثم قال : ألبسوه ثيابه واحملوه على قَتَب وأبلغوا به حيه ، ثم ليقم خطيبا فليقل : إن صَبِيغا{[14197]} طلب العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم . وعن عامر بن واثلة أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ما " الذاريات ذروا " قال : ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا " والذاريات ذروا " الرياح " فالحاملات وقرا " السحاب " فالجاريات يسرا " السفن " فالمقسمات أمرا " الملائكة . وروى الحرث عن علي رضي الله عنه " والذاريات ذروا " قال : الرياح " فالحاملات وقرا " قال : السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر " فالجاريات يسرا " قال : السفن موقرة " فالمقسمات أمرا " قال : الملائكة تأتي بأمر مختلف ، جبريل بالغلظة ، وميكائيل صاحب الرحمة ، وملك الموت يأتي بالموت . وقال الفراء : وقيل تأتي بأمر مختلف من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث{[14198]} . ويقال : ذرت الريح التراب تذروه ذروا وتذرية ذريا . ثم قيل : " والذاريات " وما بعده أقسام ، وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفا . وقيل : المعنى ورب الذاريات ، والجواب " إنما توعدون " أي الذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب " لصادق " لا كذب فيه ، ومعنى " لصادق " لصدق ، وقع الاسم موقع المصدر . " وإن الدين لواقع " يعني الجزاء نازل{[14199]} بكم . ثم ابتدأ قسما آخر فقال : " والسماء ذات الحبك . إنكم لفي قول مختلف " [ الذاريات : 7 ] وقيل إن الذاريات النساء الولودات ؛ لأن في ذرايتهن ذرو الخلق ؛ لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات ، وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده الصالحين . وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذاريا لأمرين : أحدهما : لأنهن أوعية دون الرجال ، فلاجتماع الذّروين فيهن خصصن بالذِّكر . الثاني : أن الذّرو فيهن أطول زمانا ، وهن بالمباشرة أقرب عهدا . " فالحاملات وقرا " السحاب . وقيل : الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل . والوقر بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن ، يقال : جاء يحمل وقره وقد أوقر بعيره . وأكثر ما يستعمل الوقر في حمل البغل والحمار ، والوسق في حمل البعير . وهذه امرأة موقرة بفتح القاف إذا حملت حملا ثقيلا . وأوقرت النخلة كثر حملها ، يقال : نخلة موقرة وموقر وموقرة ، وحكي موقر وهو على غير القياس ؛ لأن الفعل للنخلة . وإنما قيل : موقر بكسر القاف على قياس{[14200]} قولك امرأة حامل ؛ لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء ، فأما موقر بالفتح فشاذ ، وقد روي في قول لبيد يصف نخيلا :

عَصَبٌ كَوَارِعُ في خليجٍ مُحَلَّمٍ *** حَمَلَتْ فمنها مُوقَرٌ مَكْمُومُ

والجمع مواقر . فأما الوقر بالفتح فهو ثقل الأذن ، وقد وقرت أذنه توقر وقرا أي صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وقد تقدم في " الأنعام{[14201]} " القول فيه . " فالجاريات يسرا " السفن تجري بالرياح يسرا إلى حيث سيرت . وقيل : السحاب ، وفي جريها يسرا على هذا القول وجهان : أحدهما : إلى حيث يسيرها الله تعالى من البلاد والبقاع . الثاني : هو سهولة تسييرها ، وذلك معروف عند العرب ، كما قال الأعشى :

كأن مِشْيَتَها من بيت جارتها *** مشيُ السحابة لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ


[14196]:هو صبيغ ـ كأمير ـ بن عسل ـ بكسر العين ـ كان يعنت الناس بالغوامض والسؤالات من متشابه القرآن فنفاه عمر إلى البصرة بعد ضربه، وكتب إلى واليها ألا يؤويه، ونهى عن مجالسته (التاج).
[14197]:هو صبيغ ـ كأمير ـ بن عسل ـ بكسر العين ـ كان يعنت الناس بالغوامض والسؤلات من متشابه القرآن فنفاه عمر إلى البصرة بعد ضربه، وكتب إلى واليها ألا يؤويه، ونهى عن مجالسته (التاج).
[14198]:في ل، ن: "الخوارق".
[14199]:في ز، ل، ن: "النازل".
[14200]:الزيادة من كتب اللغة.
[14201]:راجع جـ 6 ص 404.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

{ والداريات ذروا }

{ والذاريات } الرياح تذرو التراب وغيره { ذرواً } مصدر ، ويُقال تذريه ذرياً تهب به .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية ، وآياتها ستون . وفيها تركيز على الإيمان بالله خالق كل شيء ، والتحذير من عقابه الذي يصيب به الفاسقين المعرضين عن منهج الله . والسورة مبدوءة بالقسم العظيم من الله بأجزاء من خلقه على أن وعده من الثواب والعقاب والحساب حق وصدق لا ريب فيه .

وفي السورة وصف سريع ومقتضب لأحوال الظالمين السابقين الذين عصوا رسل ربهم وضلوا السبيل فأهلكهم الله بذنوبهم وعصيانهم . ومنهم قوم لوط الذين جعل الله عاليهم سافلهم ، وقوم فرعون الذين أخذوا بالتغريق ، وقوم عاد الذين أهلكوا بالريح العقيم ، قوم ثمود الذين أخذتهم الصيحة ، وقوم نوح الذين أتى عليهم الطوفان فقطع دابرهم .

وفي السورة إعلان من الله يبين فيه علة خلق العالمين وهي عبادة الله وحده والإذعان لجلاله بالخضوع والطاعة { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } إلى غير ذلك من صور التذكير والعبر والأخبار .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والذاريات ذروا 1 فالحاملات وقرا 2 يوم فالجاريات يسرا 3 فالمقسّمات أمرا 4 إنما توعدون لصادق 5 وإن الدين لواقع 6 والسماء ذات الحبك 7 إنكم لفي قول مختلف 8 يؤفك عنه من أفك 9 قتل الخراصون 10 الذين هم في غمرة ساهون 11 يسئلون أيان يوم الدين 12 يوم هم على النار يفتنون 13 ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } .

يقسم الله بأجزاء من خلقه . فقد أقسم ههنا بالذاريات وهي الرياح . وأقسم بالحاملات وقرا ، وذلكم السحاب الذي يحمل قطرات المطر ليسوقه إلى مختلف البلدان والأقاليم . وكذلك أقسم بالجاريات يسرا ، وهي السفن المحملة بالعباد والأمتعة ، والتي تجري على سطح الماء في سهولة ولين ، وذلك بما بثه الله في الأجسام من خاصية الطفو على سطح الماء . ثم أقسم الله بالمقسّمات أمرا ، وهي الملائكة تحمل الأمر من السماء إلى الأرض على اختلافه ما بين خصب وقحط وسعة وفقر ونصر وهزيمة وولادة وموت ، وغير ذلك من وجوه الحوادث والأمور . ويدل على هذا التأويل مما تقدم ما روي عن علي ( رضي الله عنه ) أنه صعد منبر الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك فقام إليه الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى : { والذاريات ذروا } ؟ قال علي ( رضي الله عنه ) : الريح .