والآن - وقد سقط عنهم غشاء الخداع والضلال - يعرفون أن المتجه لله وحده فيتجهون :
( قالوا : ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ، فاعترفنا بذنوبنا ، فهل إلى خروج من سبيل ) . .
وهي كلمة الذليل اليائس البائس . . ( ربنا ) . . وقد كانوا يكفرون وينكرون . أحييتنا أول مرة فنفخت الروح في الموات فإذا هو حياة ، وإذا نحن أحياء . ثم أحييتنا الأخرى بعد موتنا ، فجئنا إليك . وإنك لقادر على إخراجنا مما نحن فيه . وقد اعترفنا بذنوبنا . ( فهل إلى خروج من سبيل ? ) . بهذا التنكير الموحي باللهفة واليأس المرير .
أمتّنا اثنتين ، وأحييتنا اثنتين : خلقتنا من العدم ، ثم أمتّنا بعد انقضاء آجالنا . وأحييتنا اثنتين : عند ميلادنا ، ويوم البعث يوم القيامة .
ويقول الكافرون يوم القيامة : يا ربنا أمتّنا موتَتين : الأولى حين خلقْتَنا من العدم ، والثانية يوم توفّيتنا عند انقضاء أجلنا . وأحييتنا مرتين : مرة هي حياتنا الدنيا ، والثانية يوم بعثِنا هذا فاعترفنا أننا أنكرنا البعث وكفرنا وأذنبنا . ونحن الآن قادمون ، فهل من سبيل الى الخروج من النار ، ولك منا عهدَ الطاعة والامتثال ؟ فيجيبهم الله : لا .
قوله تعالى : " قالوا ربنا أمتنا اثنتين " اختلف أهل التأويل في معنى قولهم : " أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ، ثم أحياهم ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها في الدنيا ، ثم أحياهم للبعث والقيامة ، فهاتان حياتان موتتان ، وهو قوله تعالى : " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " [ البقرة : 28 ] . وقال السدي : أميتوا في الدنيا ثم أحياهم في القبور للمسألة ، ثم أميتوا ثم أحيوا في الآخرة . وإنما صار إلى هذا ؛ لأن لفظ الميت لا ينطلق في العرف على النطفة . واستدل العلماء من هذا في إثبات سؤال القبر ، ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسد فما معنى الإحياء والإماتة ؟ والروح عند من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح لا تموت ولا تتغير ولا تفسد ، وهو حي لنفسه لا يتطرق إليه موت ولا غشية ولا فناء . وقال ابن زيد في قوله : " ربنا أمتنا اثنتين . . . " الآية قال : خلقهم في ظهر آدم وأخرجهم وأحياهم وأخذ عليهم الميثاق ، ثم أماتهم ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم . وقد مضى هذا في " البقرة " {[13362]} . " فاعترفنا بذنوبنا " اعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف وندموا حيث لا ينفعهم الندم . " فهل إلى خروج من سبيل " أي هل نرد إلى الدنيا لنعمل بطاعتك ؛ نظيره : " هل إلى مرد من سبيل " [ الشورى : 44 ] وقوله : " فارجعنا نعمل صالحا " [ السجدة : 12 ] وقوله : " يا ليتنا نرد " [ الأنعام : 27 ] الآية .
{ قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل }
{ قالوا ربنا أمتَّنا اثنتين } إماتتين { وأحييتنا اثنتين } إحياءتين لأنهم نطفٌ أموات فأحيوا ثم أميتوا ثم أحيوا للبعث { فاعترفنا بذنوبنا } بكفرنا بالبعث { فهل إلى خروج } من النار والرجوع إلى الدنيا لنطيع ربنا { من سبيل } طريق وجوابهم : لا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.