في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

36

( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) .

وذكر هذه الصفة في القرآن المكي ذو دلالة خاصة كما سلف . فهي تقرير لصفة أساسية في الجماعة المسلمة . صفة الانتصار من البغي ، وعدم الخضوع للظلم . وهذا طبيعي بالنسبة لجماعة أخرجت للناس لتكون خير أمة . لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتهيمن على حياة البشرية بالحق والعدل ؛ وهي عزيزة بالله . ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) . . فمن طبيعة هذه الجماعة ووظيفتها أن تنتصر من البغي وأن تدفع العدوان . وإذا كانت هناك فترة اقتضت لأسباب محلية في مكة ، ولمقتضيات تربوية في حياة المسلمين الأوائل من العرب خاصة ، أن يكفوا أيديهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فذلك أمر عارض لا يتعلق بخصائص الجماعة الثابتة الأصيلة .

ولقد كانت هنالك أسباب خاصة لاختيار أسلوب المسالمة والصبر في العهد المكي :

منها أن إيذاء المسلمين الأوائل وفتنتهم عن دينهم لم تكن تصدر من هيئة مسيطرة على الجماعة . فالوضع السياسي والاجتماعي في الجزيرة كان وضعاً قبلياً مخلخلاً . ومن ثم كان الذين يتولون إيذاء الفرد المسلم هم خاصة أهله إن كان ذا نسب ، ولم يكن أحد غير خاصة أهله يجرؤ على إيذائه - ولم يقع إلا في الندرة أن وقع اعتداء جماعي على فرد مسلم أو على المسلمين كجماعة - كما كان السادة يؤذون مواليهم إلى أن يشتريهم المسلمون ويعتقوهم فلا يجرؤ أحد على إيذائهم غالباً . ولم يكن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يحب أن تقع معركة في كل بيت بين الفرد المسلم من هذا البيت والذين لم يسلموا بعد . والمسالمة كانت أقرب إلى إلانة القلوب من المخاشنة .

ومنها أن البيئة العربية كانت بيئة نخوة تثور لصاحب الحق الذي يقع عليه الأذى . واحتمال المسلمين للأذى وصبرهم على عقيدتهم ، كان أقرب إلى استثارة هذه النخوة في صف الإسلام والمسلمين . وهذا ما حدث بالقياس إلى حادث الشعب وحصر بني هاشم فيه . فقد ثارت النخوة ضد هذا الحصار ، ومزقت العهد الذي حوته الصحيفة ، ونقضت هذا العهد الجائر .

ومنها أن البيئة العربية كانت بيئة حرب ومسارعة إلى السيف ، وأعصاب متوفزة لا تخضع لنظام . والتوازن في الشخصية الإسلامية كان يقتضي كبح جماح هذا التوفز الدائم ، وإخضاعها لهدف ، وتعويدها الصبر وضبط الأعصاب . مع إشعار النفوس باستعلاء العقيدة على كل نزوة وعلى كل مغنم . ومن ثم كانت الدعوة إلى الصبر على الأذى متفقة مع منهج التربية الذي يهدف إلى التوازن في الشخصية الإسلامية ، وتعليمها الصبر والثبات والمضي في الطريق .

فهذه الاعتبارات وأمثالها قد اقتضت سياسة المسالمة والصبر في مكة . مع تقرير الطابع الأساسي الدائم للجماعة المسلمة : ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

البغي : الظلم .

ينتصرون : ينتقمون لأنفسهم .

ومن صفات المؤمنين الصادقين أيضاً :

{ والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ }

الذين إذا بغى عليهم أحد ينتصرون لأنفسهم ممن ظلمهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ } أي : وصل إليهم من أعدائهم { هُمْ يَنْتَصِرُونَ } لقوتهم وعزتهم ، ولم يكونوا أذلاء عاجزين عن الانتصار .

فوصفهم بالإيمان ، وعلى الله ، واجتناب الكبائر والفواحش الذي تكفر به الصغائر ، والانقياد التام ، والاستجابة لربهم ، وإقامة الصلاة ، والإنفاق في وجوه الإحسان ، والمشاورة في أمورهم ، والقوة والانتصار على أعدائهم ، فهذه خصال الكمال قد جمعوها ، ويلزم من قيامها فيهم ، فعل ما هو دونها ، وانتفاء ضدها .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

ولما كان في العقوبة مصلحة ومفسدة فندب سبحانه إلى المغفرة تقديماً لدرء المفسدة لأن الإنسان لعدم علمه بالقلوب لا يصح له بوجه أن يعاقب بمجرد الغضب لأنه قد يخطئ فيعاقب من أغضبه ، وهو شريف الذات كريم الطبع على الهمة أبي النفس ، ما وقع منه الذنب الذي أغضب إلا خطأ معفواً عنه أو كذب عليه فيه فيربي في نفسه أخته تفسد ذات البين فيجر إلى خراب كبير ، وكانت إدامة الغفر جالبة للفساد مجرئة على العناد ، وكان البغي هو التمادي في السوء محققاً لقصد الذنب مجوزاً للإقدام على الانتقام ، وكان الانتصار من الفجار ربما أحوج مع قوة الجنان إلى إنفاق المال ، عقب الإنفاق بمدح الانتصار بقوله : { والذين } وذكر أداة التحقق إشارة إلى أن شرطها لا بد من وقوعه بالفعل أو بالقوة فقال ناصباً بفعل الانتصار مقدماً لما من شأن النفس الاهتمام بدفعه لعدم صبرها عليه : { إذا أصابهم } أي وقع بهم وأثر فيهم { البغي } وهو التمادي على الرمي بالشر { هم } أي بأنفسهم خاصة لما لهم من قوة الجنان والأركان المعلمة بأن ما تقدم من غفرانهم ما كان إلا لعلو شأنهم لا لهوانهم { ينتصرون * } أي يوقعون بالعلاج بما أعطاهم الله من سعة العقل وشدة البطش وقوة القلب النصر لأنفسهم في محله على ما ينبغي من زجر الباغي عن معاودتهم وعن الاجتراء على غيرهم مكررين لذلك كلما كرر لهم فيكون ذلك من إصلاح ذات البين ، ليسوا بعاجزين ولا في أمر دينهم متوانين ، والتعبير في هذه الأفعال بالإسناد إلى الجمع إشارة إلى أنه لا يكون تمام التمكن الرادع إلا مع الاجتماع ، ومن كان فيها مفرداً كان همه طويلاً وبثه جليلاً ، قال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق .