في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

57

ثم يلتفت التفاتة أخرى إلى المكذبين بهذا القرآن ؛ فيربط بينه وبين هذا الكون في قسم عظيم من رب العالمين :

( فلا أقسم بمواقع النجوم - وإنه لقسم لو تعلمون عظيم - إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون . تنزيل من رب العالمين ) . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

فلا أقسم : هذا قسَم تستعمله العرب في كلامها ، ولا للتأكيد .

مواقع النجوم : مَداراتها ومراكزها .

بعد ذِكر الأدلة على الألوهية والخلْق والبعث والجزاء جاء بذِكر الأدلة على النبوة وصدق القرآن الكريم . وقد أقسم الله تعالى على هذا بما يشاهدونه من مواقع النجوم ، وإن هذا القسَم لعظيم حقا ، لأن هذا الكون وما فيه شيء كبير

لا نعلم عنه إلا القليل القليل . ويقول الفلكيون : إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين ، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة ، ومنها ما لا يرى إلا بالمكبّرات ، وقد يكون أكبر من شمسنا بآلاف المرات ولكننا لبعده الشاسع

لا نراه . وهي تسبح في هذا الفلك الواسع الذي لا نعلم عنه شيئا . والبحث في هذا واسع جدا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

{ 75-87 } { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ * فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها أي : مساقطها في مغاربها ، وما يحدث الله في تلك الأوقات ، من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

فيه سبع مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " فلا أقسم " " لا " صلة في قول أكثر المفسرين ، والمعنى فأقسم ، بدليل قوله : " وإنه لقسم " . وقال الفراء : هي نفي ، والمعنى ليس الأمر كما تقولون ، ثم استأنف " أقسم " . وقد يقول الرجل : لا والله ما كان كذا فلا يريد به نفي اليمين ، بل يريد به نفي كلام تقدم . أي ليس الأمر كما ذكرت ، بل هو كذا . وقيل : " لا " بمعنى إلا للتنبيه كما قال{[14673]} :

ألا عِمْ صباحا أيها الطللُ البالي

ونبه بهذا على فضيلة القرآن ليتدبروه ، وأنه ليس بشعر ولا سحر ولا كهانة كما زعموا . وقرأ الحسن وحميد وعيسى بن عمر فلأقسم " بغير ألف بعد اللام على التحقيق وهو فعل حال ويقدر مبتدأ محذوف ، التقدير : فلأنا أقسم بذلك . ولو أريد به الاستقبال للزمت النون ، وقد جاء حذف النون مع الفعل الذي يراد به الاستقبال وهو شاذ .

الثانية- قوله تعالى : " بمواقع النجوم " مواقع النجوم مساقطها ومغاربها في قول قتادة وغيره . عطاء بن أبي رباح : منازلها . الحسن : انكدارها وانتثارها يوم القيامة . الضحاك : هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا . الماوردي : ويكون قوله تعالى : " فلا أقسم " مستعملا على حقيقته من نفي القسم . القشيري : هو قسم ، ولله تعالى أن يقسم بما يريد ، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى وصفاته القديمة .

قلت : يدل على هذا قراءة الحسن " فلأقسم " وما أقسم به سبحانه من مخلوقاته في غير موضع من كتابه . وقال ابن عباس : المراد بمواقع النجوم نزول القرآن نجوما ، أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السفرة الكاتبين ، فنجمه السفرة على جبريل عشرين ليلة ، ونجمه جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام عشرين سنة ، فهو ينزل على الأحداث من أمته ، حكاه الماوردي عن ابن عباس والسدي . وقال أبو بكر الأنباري : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا همام عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزل القرآن إلى سماء الدنيا جملة واحدة ، ثم نزل إلى الأرض نجوما ، وفرق بعد ذلك خمس آيات خمس آيات وأقل وأكثر ، فذلك قول الله تعالى : " فلا أقسم بمواقع النجوم . وإنه لقسم لو تعلمون عظيم . إنه لقرآن كريم " وحكى الفراء عن ابن مسعود أن مواقع النجوم هو محكم القرآن . وقرأ حمزة والكسائي " بموقع " على التوحيد ، وهي قراءة عبدالله بن مسعود والنخعي والأعمش وابن محيصن ورويس عن يعقوب . الباقون على الجمع فمن أفرد فلأنه اسم جنس يؤدي الواحد فيه عن الجمع ، ومن جمع فلاختلاف أنواعه .


[14673]:قائله امرؤ القيس، وتمامه: *وهل ينعمن من كان في العصر الخالي*
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

فثبت أن الله تعالى أرسل الآتي بهذا القرآن صلى الله عليه وسلم بالهدى وبالحق ، لا أنه آتاه كل ما ينبغي له ، فآتاه الحكمة وهي البراهين القاطعة واستعمالها على وجوهها ، والموعظة الحسنة ، وهي الأمور المرققة للقلوب المنورة للصدور ، والمجادلة التي هي على أحسن الطرق في نظم معجز موجب{[62237]} للإيمان ، فكان من سمعه ولم يؤمن لم يبق له من الممحلات إلا أن يقول : هذا البيان ليس لظهور المدعى وثبوته بل لقوة عارضة المدعي وقوته على تركيب الأدلة وصوغ{[62238]} الكلام وتصريف وجوه المقال ، وهو يعلم أنه يغلب لقوة جداله لا لظهور مقاله{[62239]} ، كما أنه ربما يقول أحد المتناظرين عند انقطاعه لخصمه : أنت تعلم أن الحق معي لكنك تستضعفني ولا تنصفني ، فحينئذ لا يبقى للخصم جواب إلا الإقسام بالإيمان التي لا مخرج عنها أنه غير مكابر وأنه منصف ، وإنما يفزع{[62240]} إلى الإيمان لأنه لو أتى بدليل آخر لكان معرضاً لمثل هذا ، فيقول : وهذا غلبتني فيه لقوة جدالك وقدرتك على سوق الأدلة ببلاغة مقالك ، فلذلك كانوا إذا أفحمهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : إنه يريد أن يتفضل علينا فيما نعلم خلافه ، فلم يبق إلا الإقسام ، فأنزل الله أنواعاً من الأقسام بعد الدلائل العظام ، ولهذا كثرت الآيات{[62241]} في أواخر القرآن ، وفي السبع الأخيرة خاصة أكثر ، فلذلك سبب عن هذه الأدلة الرائعة والبراهين القاطعة قوله : { فلا أقسم } بإثبات " لا " النافية{[62242]} ، إما على أن يكون مؤكدة بأن ينفي{[62243]} ضد ما أثبته القسم ، فيجمع الكلام بين إثبات المعنى المخبر به ونفي ضده ، وإما على تقدير أن هذا المقام يستحق لعظمته وإنكاركم له أن يقسم عليه بأعظم من هذا على ما له من العظمة لمن له علم{[62244]} - والله أعلم .

ولما كان الكلام{[62245]} السابق في الماء الذي جعله سبحانه مجمعاً للنعم الدنيوية الظاهرة وقد رتب سبحانه لإنزاله الأنواء على منهاج دبره وقانون أحكمه ، وجعل إنزال القرآن نجوماً مفرقة وبوارق متلالئة متألقة قال : { بمواقع النجوم * } أي بمساقط الطوائف القرآنية المنيرة النافعة المحيية للقلوب ، وبهبوطها الذي ينبني عليه ما ينبني من الآثار الجليلة وأزمان ذلك وأماكنه وأحواله ، وبمساقط الكواكب وأنوائها وأماكن ذلك وأزمانه في تدبيره على ما ترون من الصنع المحكم والفعل المتقن المقوم ، الدال بغروب الكواكب على القدرة على الطي بعد النشر والإعدام بعد الإيجاد ، وبطلوعها الذي يشاهد أنها ملجأة إليه إلجاء الساقط من علو إلى سفل لا يملك لنفسه شيئاً ، لقدرته على الإيجاد بعد الإعدام ، وبآثار الأنواء على مثل ذلك بأوضح منه - إلى غير ذلك من الدلالات التي تضيق عنها العبارات ، وتقصر دون علياها مديد الإشارات ، ولمثل هذه المعاني الجليلة والخطوب العظيمة جعل في الكلام اعتراضاً بين القسم وجوابه ، وفي الاعتراض اعتراضاً بين الموصوف وصفته تأكيداً للكلام ، وهزاً لنافذ الأفهام تنبيهاً على أن الأمر عظيم والخطب فادح جسيم ،


[62237]:- في ظ: مسقط.
[62238]:- من ظ، وفي الأصل: صدع.
[62239]:- من ظ، وفي الأصل. لمقاله.
[62240]:- من ظ، وفي الأصل: يصوع.
[62241]:- زيد من ظ.
[62242]:- من ظ، وفي الأصل: الناهية.
[62243]:- من ظ، وفي الأصل: يبقى.
[62244]:-زيد في الأصل: انتهى، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[62245]:- زيد من ظ.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

{ فلا أقسم بمواقع النجوم }

{ فلا أقسم } لا زائدة { بمواقع النجوم } بمساقطها لغروبها .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

قوله تعالى : { فلا أقسم بمواقع النجوم 75 وإنه لقسم لو تعلمون عظيم 76 إنه لقرآن كريم 77 في كتاب مكنون 78 لا يمسه إلا المطهرون 79 تنزيل من رب العالمين 80 أفبهذا الحديث أنتم مدهنون 81 وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } .

يقسم الله بأجزاء من خلقه على أن هذا القرآن حق وأنه كتاب كريم ومبارك أنزله على رسول الأمين . وهو قوله سبحانه : { فلا أقسم بمواقع النجوم } لا ، زائدة للتأكيد ، أي أقسم بمواقع النجوم ، واختلفوا في المراد بمواقع النجوم ، فقد قيل : مواقع النجوم ، يعني نجوم القرآن . فقد نزل منجما أي مفرقا . وقيل : مواقع النجوم ، مساقطها ، ومغاربها ففي هذا الوقت من مغيب النجوم في آخر الليل يعظم أجر المتهجدين وتتنزل الرحمة على المؤمنين . فلذلك أقسم الله بمواقع النجوم على هذا المعنى .

وقيل : مواقعها ، أي منازلها ، ولعل هذا هو الصواب ، وذلك بما نستقرئه عن حقيقة هذا الكون الهائل في سعته العظيمة وانبساطه المديد ، فما تكشف عنه الدراسات الفلكية الحديثة من حقائق عن مساحة هذا الكون الرحيب لا جرم تثير الذهول والعجب ، وذلك لفرط اتساعه ، وعظيم حجمه ، فقد أقسم الله بهذه المواقع مما يشير إلى سعة الكون وعظيم امتداده .