وهو عذاب حاضر قريب ؛ وإن كان موعده آتياً بعد حين . ولكنه في حقيقته قائم موجود :
ولفظ ( من ورائهم )مقصودة ظلاله فوق معناه . وظلاله . . أنهم لا يرونه لأنه من ورائهم ولا يتقونه لأنهم في غفلة عنه ؛ ولا يفوتهم فهم سيقعون فيه !
( ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ) . .
فليس شيء مما عملوا أو ملكوا بنافعهم شيئاً ، فعملهم - ولو صلح - هباء لا يقدرون على شيء منه ، وهو قائم على غير أساس من إيمان . وملكهم زائل لا يصاحبهم منه شيء فيه غناء . وأولياؤهم من دون الله - آلهة أو أعواناً وجنداً أو خلاناً - لا يملكون لهم نصراً ولا شفاعة .
فوق أنه مهين . فجرمهم في الاستهزاء بآيات الله قبيح يقتضي المهانة ، جسيم يقتضي جسامة التعذيب . .
" من ورائهم جهنم " أي من وراء ما هم فيه من التعزز في الدنيا والتكبر عن الحق جهنم . وقال ابن عباس : " من ورائهم جهنم " أي أمامهم ، نظيره : " من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد " {[13777]} [ إبراهيم : 16 ] أي من أمامه . قال :
أليس ورائي إن تراخت منيتي *** أدُبُّ مع الولدان أَزْحَفُ كالنَّسْرِ
" ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا " أي من المال والولد . نظيره : " لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا " {[13778]} [ آل عمران : 10 ] أي من المال والولد . " ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء " يعني الأصنام . " ولهم عذاب عظيم " أي دائم مؤلم .
وراءه-{[57937]} وكان كلما رأوا الإنسان في غاية التمكن منه ، قال مبيناً للعذاب : { جهنم } أي تأخذهم{[57938]} لا محالة وهم في غاية الغفلة عنها بترك الاحتراز منها ، ويحسن التعبير بالوراء{[57939]} أن الكلام في الأفاك ، وهو انصراف{[57940]} الأمور عن أوجهها{[57941]} إلى أقفائها{[57942]} فهو ماش أبداً إلى ورائه فهو ماش إلى النار بظهره{[57943]} ، ويستعمل ، " وراء " في الإمام ، فيكون حينئذ مجازاً عن{[57944]} الإحاطة أي تأخذهم من الجهة التي هم بها{[57945]} عالمون والجهة التي هم بها{[57946]} جاهلون ، فتلقاهم بغاية التجهم والعبوسة والغيظ والكراهة ضد ما كانوا عليه عند العلم-{[57947]} بالآيات المرئية والمسموعة من الاستهزاء الملازم للضحك والتمايل{[57948]} بطراً وأشراً ، ومثل ما كانوا عليه عند الملاقاة للمصدقين بتلك الآيات .
و-{[57949]} لما كانوا يظهرون الركون إلى ما بأيديهم من الأعراض الفانية ، قال : { ولا يغني عنهم } أي في دفع{[57950]} ذلك { ما كسبوا } أي حصلوا{[57951]} من الأمور التي أفادتهم العز الذي أورثهم الاستهزاء{[57952]} { شيئاً } أي من إغناء{[57953]} . ولما {[57954]}كان هؤلاء لما هم عليه من العمى{[57955]} يدعون إغناء آلهتهم{[57956]} عنهم ، قال{[57957]} مصرحاً بها : { ولا ما اتخذوا } أي كلفوا أنفسهم بأخذه مخالفين لما دعتهم إليها فطرهم الأولى السليمة من البعد عنها .
ولما كان كفرهم إنما هو الإشراك ، فكانوا يقولون " الله " أيضاً ، قال معبراً بما يفهم{[57958]} سفول ما سواه : { {[57959]}من دون الله{[57960]} } أي أدنى رتبة من رتب الملك الأعظم { أولياء } أي يطمعون في أن يفعلوا معهم ما يفعله القريب من النفع والذب والدفع{[57961]} { ولهم }{[57962]} مع عذابهم{[57963]} بخيبة{[57964]} الأمل { عذاب عظيم * } لا يدع جهة من جهاتهم ولا زماناً{[57965]} من أزمانهم ولا عضواً من أعضائهم إلا ملأه .