( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) . .
لكن ظلال الرحمة تتراءى من وراء هذا العذاب الأدنى ؛ فالله سبحانه و تعالى لا يحب أن يعذب عباده إذا لم يستحقوا العذاب بعملهم ، وإذا لم يصروا على موجبات العذاب . فهو يوعدهم بأن يأخذهم بالعذاب في الأرض ( لعلهم يرجعون ) . . وتستيقظ فطرتهم ، ويردهم ألم العذاب إلى الصواب . ولو فعلوا لما صاروا إلى مصير الفاسقين الذين رأيناه في مشهدهم الأليم .
قوله تعالى : " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى " قال الحسن وأبو العالية والضحاك وأبي بن كعب وإبراهيم النخعي : العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها مما يبتلى به العبيد حتى يتوبوا . وقاله ابن عباس . وعنه أيضا أنه الحدود . وقال ابن مسعود والحسين بن علي وعبد الله بن الحارث : هو القتل بالسيف يوم بدر . وقال مقاتل : الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف ، وقاله مجاهد . وعنه أيضا : العذاب الأدنى عذاب القبر . وقاله البراء بن عازب . قالوا : والأكبر عذاب يوم القيامة . قال القشيري : وقيل عذاب القبر . وفيه نظر ؛ لقوله : " لعلهم يرجعون " . قال : ومن حمل العذاب على القتل قال : " لعلهم يرجعون " أي يرجع من بقي منهم . ولا خلاف أن العذاب الأكبر عذاب جهنم ، إلا ما روي عن جعفر بن محمد أنه خروج المهدي بالسيف . والأدنى غلاء السعر . وقد قيل : إن معنى قوله : " لعلهم يرجعون " . على قول مجاهد والبراء : أي لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله : " فارجعنا نعمل صالحا " {[12682]} [ السجدة : 12 ] . وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى : " إذا قمتم إلى الصلاة " {[12683]} [ المائدة : 6 ] . ويدل عليه قراءة من قرأ : " يرجعون " على البناء للمفعول . ذكره الزمخشري .
ولما كان المؤمنون الآن يتمنون إصابتهم بشيء{[54816]} من الهوان في هذه الدار ، لأن نفوس البشر مطبوعة على العجلة ، بشرهم بذلك على وجه يشمل{[54817]} عذاب القبر ، فقال مؤكداً له{[54818]} لما عندهم من الإنكار لعذاب ما بعد الموت وللإصابة{[54819]} في الدنيا بما لهم من الكثرة والقوة : { ولنذيقنهم } أي أجمعين بالمباشرة والتسبيب{[54820]} ، بما لنا من العظمة التي تتلاشى عندها{[54821]} كثرتهم وقوتهم { من العذاب الأدنى } أي قبل يوم القيامة ، بأيديكم وغيرها ، وقد صدق الله قوله ، وقد كانوا عند نزول هذه السورة بمكة المشرفة في غاية الكثرة والنعمة ، فأذاقهم الجدب سنين متوالية ، وفرق شملهم وقتلهم وأسرهم بأيدي المؤمنين إلى غير ذلك بما أراد سبحانه ؛ ثم أكد الإرادة لما قبل الآخرة وحققها بقوله ، معبراً بما يصلح للغيرية{[54822]} والسفول : { دون العذاب الأكبر } أي الذي مر ذكره في الآخرة { لعلهم يرجعون* } أي ليكون حالهم حال من يرجى رجوعه عن فسقه عند من ينظره ، وقد كان ذلك ، رجع كثير{[54823]} منهم خوفاً من السيف ، فلما رأوا محاسن الإسلام كانوا من أشد الناس {[54824]}فيه رغبة{[54825]} وله حباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.