اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (21)

قوله : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العذاب الأدنى دُونَ العذاب الأكبر } قال أبيُّ بنُ كَعْبٍ والضَّحَّاكُ والحَسَنُ وإبْرَاهيمُ{[42892]} : العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها{[42893]} وهو{[42894]} رواية الوَالبِيِّ{[42895]} عن ابن عباسٍ ، وقال عكرمة عنه : الحدود{[42896]} ، وقال مقاتل : الجوع{[42897]} سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والعظام والكلاب . وقال ابن مسعود{[42898]} : هو القتل بالسيف يوم بدر وهو قول قتادة والسدي . وأما العذاب الأكبر وهو عذاب الآخرة فإن عذاب الدنيا لا نسبة له إلى عذاب الآخرة{[42899]} .

فإن قيل : ما الحكمة في مقابلته «الأدنى » «بالأكبر » ، «والأدنى » إنما هو في مقابلة «الأقصى » «والأكبر » إنما هو مقابلة «الأصغر » ؟ .

فالجواب : أنه حصل{[42900]} في عذاب الدنيا أمران : أحدهما : أنه قريب والآخر : أنه قليل صغير ، وحصل{[42901]} في عذاب الآخرة أيضاً أمران ، أحدهما : أنه بعيد والآخر أنه عظيم كبيرٌ لكن العرف{[42902]} في عذاب الدنيا هو{[42903]} أنه الذي يصلح التخويف به فإن العذاب العاجل وإن كان قليلاً فلا يَحْتَرِزُ عنه بعض الناس أكثر مما يَحْتَرِزُ من{[42904]} العذاب الشديد إذا كان آجلاً ، وكذا الثواب العاجل قد يَرْغَبُ فيه بعض الناس ويستبعد الثوابَ العظيم الآجل .

وأما في عذاب الآخرة فالذي يصلح للتخويف هو العظيم والكبير ( لا ){[42905]} البعيد لِمَا بينا فقال في عذاب الدنيا الأدنى ليحترز العاقل{[42906]} عنه ولو قال : «وَلَنُذِيقَنَّهُمْ من العذاب الأصغر » ما كان يحترز عنه لصغره وعدم فَهْم كونه عاجلاً ، وقال في عذاب الآخرة الأكبر لذلك المعنى ولو قال : مِنَ العَذَابِ الأبعد الأقْصَى ( لما حصل ){[42907]} التخويف به مثل ما يحصل{[42908]} بوصفه بالكِبَر .

قوله : «لعلهم يرجعون » إلى الإيمان يعني مَنْ بَقِي منهم بعد «بدر » .

فإن قيل : ما الحكمة في هذا الترجي وهو على الله تعالى محال ؟ .

فالجواب : فيه وجهان :

أحدهما : معناه لنذيقنهم إذاقة الراجين كقوله : «إنَّا نَسِينَاكُمْ » يعني تركناكم كما يترك الناس ( حيث لا يلتفت{[42909]} إليه ) أَصْلاً كَذلِكَ ههنا .

والثاني : نذيقهم العذاب إذاقة يقول القائل : لعلهم يرجعون بسببه .


[42892]:هو النخعي وقد سبق ترجمته.
[42893]:القرطبي 14/107.
[42894]:في "ب" وهي.
[42895]:الوالبي: علي بن ربيعة بن نضلة الوالبي أبو المغيرة الكوفي عن علي وسلمان، وعنه الحكم وأبو إسحاق له في البخاري ومسلم حديث. انظر: خلاصة الكمال 274.
[42896]:المرجع السابق.
[42897]:فتح القدير 4/256 والمرجع السابق أيضاً.
[42898]:زاد المسير 6/341.
[42899]:المرجع السابق.
[42900]:في "ب" جعل بدلاً من حصل.
[42901]:في "ب" جعل بدلاً من حصل.
[42902]:في "ب" لكن الفرق وفي تفسير الفخر الرازي "لكن القرب" وهو الأقرب.
[42903]:في "ب" وهو بزيادة واو.
[42904]:في "ب" عن.
[42905]:هكذا هي هنا وفي تفسير الفخر الرازي ولكنها ساقطة من "ب".
[42906]:في "ب" العاجل.
[42907]:ساقط من "ب".
[42908]:في "ب" ما يحترز.
[42909]:ساقط من "ب".