غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَدۡنَىٰ دُونَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (21)

1

ثم حتم على نفسه أنه يذيقهم عذاب الدنيا من القتل والسر والقحط قبل أن يصلوا إلى عذاب الآخرة . وعن مجاهد : أن الأدنى هو عذاب القبر . وإنما ل يقل الأصغر في مقابلة الأكبر ، أو الأبعد الأقصى في مقابلة الأدنى ، لأن الغرض هو التخويف والتهديد وذلك إنما يحصل بالقرب لا بالصغر والكبر ولا بالبعد . ومعنى قوله { لعلهم يرجعون } والترجي على الله محال لنذيقهم إذاقة الراجين رجوعهم عن الكفر والمعاصي كقوله { إنا نسيناكم } أي تركناكم كما يترك الناسي حيث لا يلتفت إليه أصلاً أي نذيقهم على الوجه الذي يفعل الراجي من التدرج ، أو نذيقهم إذاقة يقول القائل : لعلهم يرجعون بسببه . قال في التفسير الكبير : إن الرجاء في أكثر الأمر يستعمل فيما لا تكون عاقبته معلومة ، فتوهم الأكثرون أنه لا يجوز إطلاقه في حق الله تعالى وليس كذلك ، فإن الجزم بالعاقبة إنما يحصل في حقه بدليل منفصل لا من نفس الفعل فإن التعذيب لا يلزم منه الرجوع لزوماً بيناً . قلت : هذا يرجع إلى التأويل الأول ، فإن الكلام في تعذيب الله هل هو يستدعي الرجوع على سبيل الرجاء أم لا ، وكون مطلق التعذيب مستدعياً لذلك لا يكفي للسائل . وقالت المعتزلة : لعل من الله إرادة وإرادة الله فعل المختار لا تقدح في اقتدار الله إذا لم يختر المختار مراد الله كما أنهم لم يختاروا التوبة والرجوع عن الكفر وإلا لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر . وإنما يقدم في اقتداره إذا تعلقت في إرادته بفعل نفسه أو بفعل المضطر المقسور ثم لا يوجد ذلك الفعل . وجوَّز في الكشاف أن يراد : لعلهم يريدون الرجوع إلى الدنيا ويطلبونه كقوله { فارجعنا نعمل صالحاً } سميت إرادة الرجوع رجوعاً كما سميت إرادة القيام قياماً في قوله { إذا قمتم إلى الصلاة } [ المائدة : 6 ] .

/خ30