في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (17)

14

وفي الخطوة الثالثة بين لهم فساد ما هم عليه من العقيدة من عدة وجوه : أولها أنهم يعبدون من دون الله أوثانا - والوثن : التمثال من الخشب - وهي عبادة سخيفة ، وبخاصة إذا كانوا يعدلون بها عن عبادة الله . . وثانيها : أنهم بهذه العبادة لا يستندون إلى برهان أودليل ، وإنما يخلقون إفكا وينشئون باطلا ، يخلقونه خلقا بلا سابقة أو مقدمة ، وينشئونه إنشاء من عند أنفسهم بلا أصل ولا قاعدة . . وثالثها : أن هذه الأوثان لا تقدم لهم نفعا ، ولا ترزقهم شيئا :

( إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ) . .

وفي الخطوة الرابعة يوجههم إلى الله ليطلبوا منه الرزق . الأمر الذي يهمهم ويمس حاجتهم :

( فابتغوا عند الله الرزق ) . .

والرزق مشغلة النفوس ، وبخاصة تلك التي لم يستغرقها الإيمان . و لكن ابتغاء الرزق من الله وحده حقيقة لا مجرد استثارة للميول الكامنة في النفوس .

وفي النهاية يهتف بهم إلى واهب الأرزاق المتفضل بالنعم ، ليعبدوه ويشكروه :

( واعبدوه واشكروا له ) . .

وأخيرا يكشف لهم أنه لا مفر من الله ، فمن الخير أن يثوبوا إليه مؤمنين عابدين شاكرين :

( إليه ترجعون ) . .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (17)

قوله تعالى : " إنما تعبدون من دون الله أوثانا " أي أصناما قال أبو عبيدة : الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة . الجوهري : الوثن الصنم والجميع وثن وأوثان مثل أسد وآساد " وتخلقون إفكا " قال الحسن : معنى " تخلقون " تنحتون ، فالمعنى إنما تعبدون أوثانا وأنتم تصنعونها وقال مجاهد : الإفك الكذب والمعنى تعبدون الأوثان وتخلقون الكذب وقرأ أبو عبد الرحمن : " وتخلقون " وقرئ : " تُخلّقون " بمعنى التكثير من خلق و " تخلقون " من تخلق بمعنى تكذب وتخرص ، وقرئ : " إفكا " وفيه وجهان : أن يكون مصدرا نحو كذب ولعب ، والإفك مخففا منه كالكذب واللعب ، وأن يكون صفة على فعل أي خلقا أفكا أي ذا إفك وباطل و " أوثانا " نصب ب " تعبدون " و " ما " كافة ويجوز في غير القرآن رفع أوثان على أن تجعل و " ما " أسماء لآن " تعبدون " صلته وحذفت الهاء لطول الاسم وجعل أوثان خبر إن فأما " وتخلقون إفكا " فهو منصوب بالفعل لا غير . وكذا " لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق " أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فإياه فاسألوه وحده دون غيره .