في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ} (4)

1

والتعقيب يعمق هذه اللمسة ويقوي وقعها ؛ وهو يصور الأرض تأكل منهم شيئا فشيئا :

( قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ، وعندنا كتاب حفيظ ) . .

لكأنما التعبير يجسم حركة الأرض ويحييها وهي تذيب أجسادهم المغيبة فيها ، وتأكلها رويدا رويدا . ويصور أجسادهم وهي تتآكل باطراد وتبلى . ليقول : إن الله يعلم ما تأكله الأرض من أجسادهم ، وهو مسجل في كتاب حفيظ ؛ فهم لا يذهبون ضياعا إذا ماتوا وكانوا ترابا . أما إعادة الحياة إلى هذا التراب ، فقد حدثت من قبل ، وهي تحدث من حولهم في عمليات الإحياء المتجددة التي لا تنتهي .

وهكذا تتوالى اللمسات التي تذيب القلوب وترققها ، وتدعها حساسة متوفزة جيدة الاستقبال . وذلك قبل البدء في الهجوم على القضية ذاتها !

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{قَدۡ عَلِمۡنَا مَا تَنقُصُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۡهُمۡۖ وَعِندَنَا كِتَٰبٌ حَفِيظُۢ} (4)

في هذا تسليةٌ للعبد فإنه إذا وُسِّدَ التراب ، وانصرف عنه الأصحاب ، واضطرب لوفاته الأحباب . فَمَنْ يَتَفَقَّدُه ومَنْ يَتَعَهَّدُه . . . وهو في شفير قبره ، وليس لهم منه شيءُ سوى ذكرِه ، ولا أحدَ منهم يدري ما الذي يقاسيه المسكين في حُفْرته ؟ فيقول الحقُّ - سبحانه : { قَدْ عَلِمْنَا } ولعلَّه يخبر الملائكة قائلاً : عَبدي الذي أخْرَجته من دنياه - ماذا بقي بينه مَنْ يهواه ؟ هذه أجزاؤه قد تَفرَّقَتْ ، وهذه عِظامُه بَلِيَتْ ، وهذه أعضاؤه قد تَفَتَّتَتْ !

{ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظُ } : وهو اللَّوحُ المحفوظ ؛ أَثْبَتنا فيه تفصيل أحوالِ الخَلْقِ من غير نسيانٍ ، وبيَّنَّا فيه كلَّ ما يحتاج العبدُ إلى تَذكُّره .