في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

( ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) . .

والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء ؛ ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله ، مغيب عن علم البشر ؛ فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم . وهو فضل من الله من جانب ، وعدل من جانب ، وتربية للناس من جانب ، فلا يأخذوا أحدا إلا بما استعلن من أمره ، وبما حققه فعله . فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه ! .

ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين .

إن الإيمان أمانة الله في الأرض ، لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة ، وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص . وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة ، وعلى الأمن والسلامة ، وعلى المتاع والإغراء . وإنها لأمانة الخلافة في الأرض ، وقيادة الناس إلى طريق الله ، وتحقيق كلمته في عالم الحياة . فهي أمانة كريمة ؛ وهي أمانة ثقيلة ؛ وهي من أمر الله يضطلع بها الناس ؛ ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء .

ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله ؛ ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه ، ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة ؛ ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان . وهذه هي الصورة البارزة للفتنة ، المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة . ولكنها ليست أعنف صور الفتنة . فهناك فتن كثيرة في صور شتى ، ربما كانت أمر وأدهى .

هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه ، وهو لا يملك عنهم دفعا . وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم ؛ وينادونه باسم الحب والقرابة ، واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك . وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير .

وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين ، ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين ، تهتف لهم الدنيا ، وتصفق لهم الجماهير ، وتتحطم في طريقهم العوائق ، وتصاغ لهم الأمجاد ، وتصفو لهم الحياة . وهو مهمل منكر لا يحس به أحد ، ولا يحامي عنه أحد ، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئا .

وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة ، حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقا في تيار الضلالة ؛ وهو وحده موحش غريب طريد .

وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام . فتنة أن يجد المؤمن أمما ودولا غارقة في الرذيلة ، وهي مع ذلك راقية في مجتمعها ، متحضرة في حياتها ، يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان . ويجدها غنية قوية ، وهي مشاقة لله !

وهنالك الفتنة الكبرى . أكبر من هذا كله وأعنف . فتنة النفس والشهوة . وجاذبية الأرض ، وثقلة اللحم والدم ، والرغبة في المتاع والسلطان ، أو في الدعة والاطمئنان . وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه ، مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس ، وفي ملابسات الحياة ، وفي منطق البيئة ، وفي تصورات أهل الزمان !

فإذا طال الأمد ، وأبطأ نصر الله ، كانت الفتنة أشد وأقسى . وكان الابتلاء أشد وأعنف . ولم يثبت إلا من عصم الله . وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان ، ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى ، أمانة السماء في الأرض ، وأمانة الله في ضمير الإنسان .

وما بالله - حاشا لله - أن يعذب المؤمنين بالابتلاء ، وأن يؤذيهم بالفتنة . ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة . فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق ؛ وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات ، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام ، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه ، وعلى الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء .

والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث ؛ وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع . وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل . وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات ، فلا يبقى صامدا إلا أصلبها عودا ؛ وأقواها طبيعة ، وأشدها اتصالا بالله ، وثقة فيما عنده من الحسنيين : النصر أو الأجر ، وهؤلاء هم الذين يسلمون الراية في النهاية . مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار .

وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن ؛ وبما بذلوا لها من الصبر على المحن ؛ وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات . والذي يبذل من دمه وأعصابه ، ومن راحته واطمئنانه ، ومن رغائبه ولذاته . ثم يصبر على الأذى والحرمان ؛ يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل ؛ فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام .

فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد الله . وما يشك مؤمن في وعد الله . فإن أبطأ فلحكمة مقدرة ، فيها الخير للإيمان وأهله . وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله . وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة ، ويقع عليهم البلاء ، أن يكونوا هم المختارين من الله ، ليكونوا أمناء على حق الله . وأن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء :

جاء في الصحيح : " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء " . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

يخبر تعالى عن [ تمام ] حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان ، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن ، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه .

فإنهم لو كان الأمر كذلك ، لم يتميز الصادق من الكاذب ، والمحق من المبطل ، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة ، أن يبتليهم بالسراء والضراء ، والعسر واليسر ، والمنشط والمكره ، والغنى والفقر ، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان ، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن ، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة ، والشهوات المعارضة للإرادة ، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل ، ويدفعها{[619]} بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله ، يعمل بمقتضى الإيمان ، ويجاهد شهوته ، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته .

ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا ، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات ، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه .

والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه ، فمستقل ومستكثر ، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وأن يثبت قلوبنا على دينه ، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير ، يخرج خبثها وطيبها .


[619]:- كذا في ب وفي أ: ويدفعه.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

قوله تعالى : " ولقد فتنا الذين من قبلهم " أي ابتلينا الماضين كالخليل ألقي في النار وكقوم نشروا بالمناشير في دين الله فلم يرجعوا عنه . وروى البخاري عن خباب بن الأرت : قالوا شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة . فقلنا له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا فقال : ( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه فما يصرفه ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) وخرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَك فوضعت يدي عليه ، فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف . فقلت : يا رسول الله ما أشدها عليك قال : ( إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجر ) قلت : يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال ( الأنبياء ) وقلت : ثم من قال ( ثم الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يُحَوبها{[12394]} وأن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء ) وروى سعد بن أبي وقاص قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟ قال ( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة ) وروى عبد الرحمن بن زيد أن عيسى عليه السلام كان له وزير فركب يوما فأخذه السبع فأكله فقال عيسى : يا رب وزيري في دينك وعوني على بني إسرائيل وخليفتي فيهم سلطت عليه كلبا فأكله قال : ( نعم كانت له عندي منزلة رفيعة لم أجد عمله يبلغها فابتليته بذلك لأبلغه تلك المنزلة ) وقال وهب : قرأت في كتاب رجل من الحواريين : إذ سلك بك سبيل البلاء فقر عينا فإنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين ، وإذا سلك بك سبيل الرخاء فابك على نفسك فقد خولف بك عن سبيلهم

قوله تعالى : " فليعلمن الله الذين صدقوا " أي فليرين الله الذين صدقوا في إيمانهم وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " وغيرها . قال الزجاج : ليعلم صدق الصادق بوقوع صدقه منه ، وقد علم الصادق من الكاذب قبل أن يخلقهما ولكن القصد قصد وقوع العلم بما يجازى عليه ، وإنما يعلم صدق الصادق واقعا كائنا وقوعه ، وقد علم أنه سيقع وقال النحاس : فيه قولان - أحدهما - أن يكون " صدقوا " مشتقا من الصدق و " الكاذبين " مشتقا من الكذب الذي هو ضد الصدق ويكون المعنى ، فليبينن الله والذين صدقوا فقالوا : نحن مؤمنون واعتقدوا مثل ذلك والذين كذبوا حين اعتقدوا غير ذلك والقول الآخر أن يكون صدقوا مشتقا من الصدق وهي الصلب والكاذبين مشتقا من كذب إذا انهزم فيكون المعنى ، فليعلمن الله الذين ثبتوا في الحرب والذين انهزموا ؛ كما قال الشاعر{[12395]} :

ليثٌ بِعَثَّرَ يصطاد الرجالَ إذا *** ما الليثُ كَذَّبَ عَنْ أقْرَانِهِ صَدَقَا

فجعل " ليعلمن " في موضع ، فليبينن مجازا وقراءة الجماعة : " فليعلمن " بفتح الياء واللام ، وقرأ علي بن أبي طالب بضم الياء وكسر اللام وهي تبين معنى ما قال النحاس ويحتمل ثلاثة معان : الأول : أن يعلم في الآخرة هؤلاء الصادقين والكاذبين بمنازلهم من ثوابه وعقابه وبأعمالهم في الدنيا ، بمعنى يوقفهم على ما كان منهم . الثاني : أن يكون المفعول الأول محذوفا تقديره . فليعلمن الناس والعالم هؤلاء الصادقين والكاذبين أي يفضحهم ويشهرهم ، هؤلاء في الخير وهؤلاء في الشر وذلك في الدنيا والآخرة : الثالث : أن يكون ذلك من العلامة ، أي يضع لكل طائفة علامة يشتهر بها فالآية على هذا تنظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أسر سريرة ألبسه الله رداءها )


[12394]:وردت هذه الكلمة في سنن ابن ماجه بالهاء المهملة، وقال هامشه:" يحوبها" من حبى بحاء مهملة وباء موحدة أي يجعل لها حبيبا. ووردت في الجامع الصغير للسيوطي بالجيم وقال شارحه: هي جيم وواو وموحدة أي يخرقها ويقطعها، وكل شيء قطع وسطه فهو مجوب. ورواية الجامع الصغير هي المتبادرة.
[12395]:هو زهير بن أبي سلمى. وعثر بشد المثلثة اسم موضع.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (3)

ولما كان التآسي من سنن الآدميين ، توقع المخاطب بهذا الأمر الخبر عن حالهم في ذلك ، فقال مؤكداً لمن يظن أن الابتلاء لا يكون ، لأن الله غني عنه فلا فائدة فيه جاهلاً بما فيه من الحكمة بإقامة الحجة على مقتضى عوائد الخلق : { ولقد } أي أحسبوا والحال أنا قد { فتنا } أي عاملنا بما لنا من العظمة معاملة المختبر { الذين } .

ولما كان التآسي بالقريب في الزمان أعظم ، أثبت الجار في قوله : { من قبلهم } أي من قبل هؤلاء الذين أرسلناك إليهم من أتباع الأنبياء حتى كان الرجل منهم يمشط لحمه بأمشاط الحديد ما يرده ذلك عن دينه ، ومن رؤوسهم صاحب أكثر السورة الماضية موسى عليه الصلاة والسلام ، ففي قصته حديث طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما يقال له حديث الفتون وهو في مسند أبي يعلى ، ومن آخر ما ابتلى به أمر قارون وأتباعه .

ولما كان الامتحان سبباً لكشف مخبآت الإنسان بل الحيوان ، فيكرم عنده أو يهان ، وأرشد السياق إلى أن المعنى : فلنفتننهم ، نسق به قوله : { فليعلمن الله } أي الذي له الكمال كله ، بفتنة خلقه ، علماً شهودياً كما كان يعلم ذلك علماً غيبياً ، ويظهره لعباده ولو بولغ في ستره ، وعبر بالاسم الأعظم الدال على جميع صفات الكمال التفاتاً عن مظهر العظمة إلى أعظم منه تنبيهاً للناقصين – وهم أكثر الناس – على أنه منزه عن كل شائبة نقص ، وأكد إشارة إلى أن أكثر الناس يظن الثبات عند الابتلاء وأنه إذا أخفى عمله لا يطلع عليه أحد { الذين صدقوا } في دعواهم الإيمان ولو كانوا في أدنى مراتب الصدق ، وليعلمن الصادقين ، وهم الصابرون الدين يقولون عند البلاء { هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } فيكون أحدهم عند الرخاء براً شكوراً ، وعند البلاء حراً صبوراً ، وليعلمن الذين كذبوا في دعواهم { وليعلمن الكاذبين* } أي الراسخين في الكذب الذين يعبدون الله على حرف ، فإن أصابهم خير اطمأنوا به وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجوههم ، فظنوا ، فيكون لكل من الجزاء على حسب ما كشف منه البلاء ، والتعبير بالمضارع لتحقق الاختبار ، على تجدد الأعصار ، لجمعي الأخيار والأشرار ، فمن لم يجاهد نفسه عند الفتنة فيطيع في السراء والضراء كان من الكافرين فكان في جهنم { أليس في جهنم مثوى للكافرين } ومن جاهد كان من المحسنين ، والآية من الاحتباك : دل بالذين صدقوا على الذين كذبوا ، وبالكاذبين على الصادقين ، ذكر الفعل أولا دليلاً على تقدير ضده ثانياً ، والاسم ثانياً دليلاً على حذف ضده أولاً .