وإلى الله قياد السماوات والأرض . فهو يصرفها وفق ما يريد ؛ وهي تسير وفق نظامه الذي قدره ؛ وما تتدخل إرادة غير إرادته في تصريفها ، على ما تشهد الفطرة ، وينطق الواقع ، ويقر العقل والضمير .
( والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ) . .
خسروا الإدراك الذي يجعل حياتهم في الأرض متسقة مع حياة الكون كله ؛ وخسروا راحة الهدى وجمال الإيمان وطمأنينة الاعتقاد وحلاوة اليقين . وخسروا في الآخرة أنفسهم وأهليهم . فهم الخاسرون الذين ينطبق عليهم لفظ( الخاسرون ) !
مقاليد السماوات والأرض : مفاتيحها ، وهو كناية عن ملكه لهما ، وتصرُّفه فيهما .
والذين كفروا بآيات الله : القرآن أو حجج الله وبراهينه .
63- { له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون } .
بيد الله مفاتيح السماوات والأرض ، فهو مالكهما والمتصرف في أمورهما ، خلقا وحفظا وسلامة ونفعا وضرّا ، وقيل : مفاتيح السماوات بالمطر ، ومفاتيح الأرض بإنبات النبات ، فبيد الله إنزال المطر وإنبات النبات ، وتيسير الرزق ، وتصريف الخلق وفق ما يريد ، على ما تشهد الفطرة ، وينطق الواقع ويقر العقل والضمير .
{ والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون } .
خسروا أنفسهم ، وخسروا راحة الضمير ، وخسروا الاتساق مع الكون ، وخسروا سعادة الدنيا ، والنجاة في الآخرة ، أمّا المؤمنون فقد اكتسبوا بالإيمان سعادة الدنيا ، والفوز بالجنة يوم القيامة .
قوله تعالى : " له مقاليد السماوات والأرض " واحدها مقليد . وقيل : مقلاد وأكثر ما يستعمل فيه إقليد . والمقاليد المفاتيح عن ابن عباس وغيره . وقال السدي : خزائن السماوات والأرض . وقال غيره : خزائن السماوات المطر ، وخزائن الأرض النبات . وفيه لغة أخرى : أقاليد وعليها يكون واحدها إقليد . قال الجوهري : والإقليد المفتاح ، والمقلد مفتاح كالمنجل ربما يقلد به الكلأ كما يقلد القت إذا جعل حبالا ، أي يفتل والجمع المقاليد . وأقلد البحر على خلق كثير أي غرقهم كأنه أغلق عليهم . وخرج البيهقي عن ابن عمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى : " له مقاليد السماوات والأرض " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما سألني عنها أحد لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده استغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ) ذكره الثعلبي في تفسيره ، وزاد من قالها إذا أصبح أو أمسى عشر مرات أعطاه الله ست خصال : أولها : يحرس من إبليس ، والثانية : يحضره اثنا عشر ألف ملك ، والثالثة : يعطى قنطارا من الأجر ، والرابعة : ترفع له درجة ، والخامسة : يزوجه الله من الحور العين ، والسادسة : يكون له من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور ، وله أيضا من الأجر كمن حج واعتمر فقبلت حجته وعمرته ، فإن مات من ليلته مات شهيدا . وروى الحارث عن علي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير المقاليد فقال : ( يا علي لقد سألت عن عظيم المقاليد هو أن تقول عشرا إذا أصبحت وعشرا إذا أمسيت : لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله واستغفر الله ولا قوة إلا بالله الأول والآخر والظاهر والباطن له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، من قالها عشرا إذا أصبح ، وعشرا إذا أمسى أعطاه الله خصالا ستا : أولها : يحرسه من الشيطان وجنوده فلا يكون لهم عليه سلطان ، والثانية : يعطى قنطارا في الجنة هو أثقل في ميزانه من جبل أحد ، والثالثة : ترفع له درجة لا ينالها إلا الأبرار ، والرابعة : يزوجه الله من الحور العين ، والخامسة : يشهده اثنا عشر ألف ملك يكتبونها له في رق منشور ويشهدون له بها يوم القيامة ، والسادسة : يكون له من الأجر كأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وكمن حج واعتمر فقبل الله حجته وعمرته ، وإن مات من يومه أو ليلته أوشهره طبع بطابع الشهداء . وقيل : المقاليد الطاعة يقال ألقى إلى فلان بالمقاليد أي أطاعه فيما يأمره ، فمعنى الآية له طاعة من في السماوات والأرض .
قوله تعالى : " والذين كفروا بآيات الله " أي بالقرآن والحجج والدلالات . " أولئك هم الخاسرون " تقدم .
ولما كان الخافقان خزائن الكائنات ، وكان لا يتصرف في الخزائن إلا ذو المفاتيح ، قال دالاً على وكالته : { له } أي وحده { مقاليد } واحدها مقلاد مثل مفتاح ، ومقليد مثل قنديل ، وهي المفاتيح والأمور الجامعة القوية وهي استعارة لشدة التمكن من { السماوات } أي جميع أعدادها { والأرض } أي جنسها خزائنهما وأمورهما ومفاتيحهما الجامعة لكل ما فيهما ، فلا يمكن أن يكون فيهما شيء ولا أن يتصرف في شيء منهما ولا فيهما أحد إلا بإذنه فلا بدع في تنجيته الذين اتقوا .
ولما كان التقدير : فالذين آمنوا بالله وتقبلوا آياته أولئك هم الفائزون ، عطف عليه قوله الذي اقتضاه سياق التهديد : { والذين كفروا } أي لبسوا ما اتضح لهم من الدلالات ، وجحدوا أن تكون الأمور كلها بيده { بآيات الله } أي الذي لا ظاهر غيرها ، فإنه ليس في الوجود إلا ذاته سبحانه وهي غيب لا يمكن المخلوق دركها ، وأفعاله وهي أظهر الأشياء ، وصفاته وهي غيب من جهة شهادة من جهة أخرى { أولئك } البعداء البغضاء { هم } خاصة { الخاسرون * } فإنهم خسروا نفوسهم وكل شيء يتصل بها على وجه النفع لأن كفرهم أقبح الكفر من حيث أنه متعلق بأظهر الأشياء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.