في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

63

( يسألك الناس عن الساعة . قل : إنما علمها عند الله . وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ) . .

وقد كانوا ما يفتأون يسألون النبي [ صلى الله عليه وسلم ] عن الساعة التي حدثهم عنها طويلا ؛ وخوفهم بها طويلا ؛ ووصف القرآن مشاهدها حتى لكأن قارئه يراها . يسألونه عن موعدها ؛ ويستعجلون هذا الموعد ؛ ويحمل هذا الاستعجال معنى الشك فيها ، أو التكذيب بها ، أو السخرية منها ، بحسب النفوس السائلة ، وقربها من الإيمان أو بعدها .

والساعة غيب قد اختص به الله سبحانه ، ولم يشأ أن يطلع عليه أحدا من خلقه جميعا ، بما فيهم الرسل والملائكة المقربون . وفي حديث حقيقة الإيمان والإسلام : عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : حدثني أبي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثوب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام . فقال : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " . قال : صدقت ! فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال : صدقت ! قال : فأخبرني عن الإحسان . قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . قال : فأخبرني عن الساعة . قال : " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . . " الخ . ثم قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] " فإنه جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم " .

فالمسؤول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والسائل - جبريل عليه السلام - كلاهما لا يعلم علم الساعة ( قل : إنما علمها عند الله ) . . على وجه الاختصاص والتفرد من دون عباد الله .

قدر الله هذا لحكمة يعلمها ، نلمح طرفا منها ، في ترك الناس على حذر من أمرها ، وفي توقع دائم لها ، وفي استعداد مستمر لفجأتها . ذلك لمن أراد الله له الخير ، وأودع قلبه التقوى . فأما الذين يغفلون عن الساعة ، ولا يعيشون في كل لحظة على أهبة للقائها ، فأولئك الذين يختانون أنفسهم ، ولا يقونها من النار . وقد بين الله لهم وحذرهم وأنذرهم ، وجعل الساعة غيبا مجهولا متوقعا في أية لحظة من لحظات الليل والنهار : ( وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

{ يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا( 63 ) إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا( 64 ) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا( 65 ) يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله واطعنا الرسولا( 66 ) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا( 67 ) }

المفردات :

الناس : أهل مكة المشركون .

عن الساعة : عن القيامة ، استهزاء وتعنتا أو امتحانا .

قريبا : ربما توجد في زمن قريب وفيه تهديد للمستعجلين .

التفسير :

{ يسئلك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } .

أي يسألونك عن وقت قيامها وكان المشركون في مكة يسألون عن الساعة على سبيل الهزء والسخرية وكان اليهود يسألون عنها امتحانا وتعنتا لأنه يعلمون من التوراة أن الله قد أخفاها فلم يطلع عليها ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا حتى يجتهد الناس في دينهم وتقواهم وطاعتهم لله خشية قيام الساعة التي لا وقت لها فربما نزل الموت بالإنسان فجأة إثر حادثة أو نازلة ، ومن مات فقد قامت قيامته وهذا يجعله في حالة ترقب وانتظار وتوقع .

{ قل إنما علمها عند الله . . . } .

فلا يعلم وقت مجيئها إلا الله سبحانه وتعالى ، وفي آيات كثيرة يفيد القرآن أن الله أخفاها لحكمة إلهية عليا حتى يجتهد العباد ويجازي الناس على اجتهادهم عن عدالة ، كما أخفى الله الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس وأخفى ساعة الإجابة في ساعات يوم الجمعة ، وأخفى أولياءه في خلقه وأخفى ليلة القدر في رمضان أو في العشر الأواخر من رمضان وأخفى اسمع العظم في أسمائه الحسنى كل ذلك ليظل المؤمن مراعيا لحرمة الصلوات جميعا وحرمة شهر رمضان أو العشر الأواخر كلها ويواظب على الاجتهاد في يوم الجمعة وليلته ويذكر أسماء الله الحسنى كلها .

وبعض الناس يدعى أن لعدد تسعة عشر أهمية كبرى ويدعى أن قيام الساعة سنة 1999م وكلها ترهات وأكاذيب لا حقائق لها ، وقد سبق أن ادعى كهان ومنجمون وفلكيون موعد قيام الساعة وظهر كذبهم وتخبطهم ثم هربوا من ملاحقة الناس لهم والساعة غيب لا يعلمه إلا الله .

قال تعالى : { يسئلونك عن الساعة أيان مرساها* فيم أنت من ذكراها* إلى ربك منتهاها* إنما أنت منذر من يخشاها* كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها } . ( الذاريات : 42-46 ) .

{ وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } .

أي إنها مع استتار الله بعلمها فإنها مرجوة المجيء عن قريب فليعمل لها كل إنسان ، فمتاع الدنيا قليل مهما طال أمدها . { والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا } . . ( النساء : 77 ) .

وفي الصحيحين أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة ؟ فقال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأنبئك عن علاماتها أن تلد الأمة ربتها وأن يتطاول رعاة الإبل البهم في البنيان وأن يصبح الحفاة العالة سادة الأمم " . 72

والموت أقرب إلى الإنسيان من شراك نعله .

قال الشاعر : كل امرئ مصبح في بيته *** والموت أدنى من شراك نعله

وقال تعالى : { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } . ( ق : 19 ) .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

ولما بين تعالى ما أعد {[56099]}لأعداء دينه{[56100]} في الدنيا ، وبين أن طريقته جادة لا تنخرم ، لما لها من قوانين الحكمة وأفانين الإتقان{[56101]} والعظمة ، وكان من أعظم الطرق الحكمية والمغيبات العلمية الساعة ، وكان قد قام ما يحرك إلى السؤال عنها في قوله : { لعنهم الله في الدنيا والآخرة } وكان قد{[56102]} مضى آخر السجدة أنهم سألوا استهزاء وتكذيباً عن تعيين وقتها ، وهددهم سبحانه على هذا السؤال ، قال تعالى مهدداً أيضاً{[56103]} على ذلك مبيناً ما{[56104]} لأعداء الدين المستهزئين في الآخرة : { يسئلك الناس } أي المشركون استهزاء منهم ، وعبر بذلك إشارة إلى أنهم بعد في نوسهم لم يصلوا إلى أدنى أسنان أهل الإيمان ، فكان{[56105]} المترددون في آرائهم لا يكادون ينفكون عن النوس وهو الاضطراب { عن الساعة } أي في تعيين وقتها .

ولما كانت إدامتهم السؤال عنها فعل من يظن أن غيره سبحانه يعلمها ، أكد فقال : { قل } أي{[56106]} في جوابهم : { إنما علمها عند الله } أي الذي أحاط علماً بجميع الخلال{[56107]} ، وله جميع أوصاف الجمال والجلال ، فهو يعلم ما عند كل أحد ولا يعلم أحد شيئاً{[56108]} مما عنده إلا بإذنه .

ولما كان من فؤائد العلم بوقت الشيء التحرز عنه أو مدافعته ، قال مشيراً إلى شدة خفائها بإخفائها عن أكمل خلقه مرجياً تقريبها تهديداً لهم : { وما يدريك } أي أيّ شيء يعلمك بوقتها ؟ ثم استأنف قوله : { لعل الساعة } أي التي لا ساعة في الحقيقة غيرها{[56109]} لما لها من العجائب { تكون } أي توجد وتحدث على وجه مهول عجيب { قريباً * } أي في زمن قريب ، ويجوز أن يكون التذكير لأجل الوقت لأن السؤال عنها إنما هو سؤال عن تعيين وقتها ، قال البخاري في الصحيح{[56110]} : إذا وصفت صفة المؤنث قلت : قريبة ، وإذا جعلته ظرفاً وبدلاً ولم ترد الصفة نزعت الهاء من المؤنث ، وكذلك لفظها في الواحد و{[56111]} الاثنين والجمع للذكر والأنثى . والمراد بالتعبير بلعل أنها بحيث يرجو قربها من يرجوه ويخشاه من يخشاه{[56112]} ، فهل أعد من يخشاها شيئاً للمدافعة إذا جاءت أو النجاة منها إذا أقبلت ؟


[56099]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا عدايه.
[56100]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا عدايه.
[56101]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الاتفاق.
[56102]:زيد من ظ وم ومد.
[56103]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لهم نصا.
[56104]:من م ومد، وفي الأصل: لهم أي، والكلمة ساقطة من ظ.
[56105]:في ظ وم ومد: فكأنه قال.
[56106]:سقط من ظ وم.
[56107]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الحلال.
[56108]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: شيء.
[56109]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: غيره.
[56110]:راجع 2/706.
[56111]:زيد من الصحيح.
[56112]:زيد من ظ وم ومد.