الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"يَسْألُكَ النّاسُ" يا محمد "عَنِ السّاعَةِ "متى هي قائمة؟ قلْ لهم: إنما علم الساعة "عنْدَ اللّهِ" لا يعلم وقت قيامها غيره،

"وَما يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبا" يقول: وما أشعرك يا محمد لعلّ قيام الساعة يكون منك قريبا، قد قرب وقت قيامها، ودنا حين مجيئها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قل إنما علمها عند الله} فيه دلالة إثبات رسالة رسوله، لأنه حين سئل عنها، فوض أمرها وعلمها إلى الله على ما أمره به، ولو كان غير رسول الله لكان يجيبهم، علم أو لم يعلم على ما يفعله طلاب الرئاسة في الدنيا إذا سئلوا عن شيء قالوا شيئا، وإن لم يعلموه لأن ذلك أبقى للرئاسة لهم؛ فإن لم يفعل صلى الله عليه وسلم كما يفعل أصحاب الرئاسة بل قال {قل إنما علمها عند الله} دل أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغ إليهم ما أمر بالتبليغ إليهم.

{وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} هذا يخرج على الوعيد.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

كان المشركون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة استعجالاً على سبيل الهزء، واليهود يسألونه امتحاناً؛ لأنّ الله تعالى عمى وقتها في التوراة وفي كل كتاب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم بأنه علم قد استأثر الله به، لم يطلع عليه ملكاً ولا نبياً، ثم بين لرسوله أنها قريبة الوقوع، تهديداً للمستعجلين وإسكاتاً للممتحنين.

{قَرِيبًا} شيئاً قريباً، أو لأن الساعة في معنى اليوم، أو في زمان قريب.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

لما بين حالهم في الدنيا أنهم يلعنون ويهانون ويقتلون أراد أن يبين حالهم في الآخرة، فذكرهم بالقيامة وذكر ما يكون لهم فيها فقال: {يسألك الناس عن الساعة}.

{قل إنما علمها عند الله} لا يتبين لكم، فإن الله أخفاها لحكمة هي امتناع المكلف عن الاجتراء وخوفهم منها في كل وقت.

{وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} يعني هي في علم الله فلا تستبطئوها فربما تقع عن قريب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... "لعل الساعة "أي التي لا ساعة في الحقيقة غيرها لما لها من العجائب.

{تكون} أي توجد وتحدث على وجه مهول عجيب.

{قريباً} والمراد بالتعبير بلعل أنها بحيث يرجو قربها من يرجوه ويخشاه من يخشاه، فهل أعد من يخشاها شيئاً للمدافعة إذا جاءت أو النجاة منها إذا أقبلت؟

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{وَمَا يُدْرِيكَ} خطابٌ مستقلٌّ له عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ غيرُ داخلٍ تحتَ الأمرِ، مسوقٌ لبيانِ أنَّها معَ كونِها غيرَ معلومةٍ للخلقِ مرجوَّة المجيءِ عن قريبٍ.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

مجرد مجيء الساعة، قرباً وبعدًا، ليس تحته نتيجة ولا فائدة، وإنما النتيجة والخسار، والربح والشقا والسعادة، هل يستحق العبد العذاب، أو يستحق الثواب؟ فهذه سأخبركم بها، وأصف لكم مستحقها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وقد كانوا ما يفتأون يسألون النبي [صلى الله عليه وسلم] عن الساعة التي حدثهم عنها طويلا، وخوفهم بها طويلا، ووصف القرآن مشاهدها حتى لكأن قارئه يراها.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الجملة معترضة بين جملة {ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً} [الأحزاب: 60] وبين جملة {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً} [الأحزاب: 64] لتكون تمهيداً لجملة {إن الله لعن الكافرين}.

وتكرر في القرآن ذكر سؤال الناس عن الساعة، والسائلون أصناف:

منهم المكذبون بها وهم أكثر السائلين وسؤالهم تهكم واستدلال بإبطائها على عدم وجودها في أنظارهم السقيمة قال تعالى: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها} [الشورى: 18] وهؤلاء هم الذين كثر في القرآن إسناد السؤال إليهم معبَّراً عنهم بضمير الغيبة كقوله: {يسألونك عن الساعة} [الأعراف: 187].

وصنف مؤمنون مصدقون بأنها واقعة لكنهم يسألون عن أحوالها وأهوالها، وهؤلاء هم الذين في قوله تعالى: {والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق} [الشورى: 18].

وصنف مؤمنون يسألون عنها محبة لمعرفة المغيبات، وهؤلاء نُهُوا عن الاشتغال بذلك كما في الحديث: « أن رجلاً سأل رسول الله: متى الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ماذا أعددتَ لها؟ فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أعددتُ لها كبير صلاة ولا صوم، سوى أنِّي أُحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت "ف {الناس} هنا يعم جميع الناس وهو عموم عرفي، أي جميع الناس الذين من شأنهم الاشتغال بالسؤال عنها إذ كثير من الناس يسأل عن ذلك.

{يدريك} من أدراه، إذا أعلمه، والمعنى: أي شيء يجعل لك دراية.

{لعل الساعة تكون قريباً} مستأنفة لإنشاء رجاء، و {لعل} معلقة فعل الإِدْراءِ عن العمل، أي في المفعول الثاني والثالث وأما المفعول الأول فهو كاف الخطاب، والمعنى: أيُّ شيء يدريك الساعَة بعيدةً أو قريبةً لعلها تكون قريباً ولعلها تكون بعيداً، ففي الكلام احتباك.

والأظهر أن {قريباً} خبر {تكون} وأن فعل الكون ناقص وجيء بالخبر غير مقترن بعلامة التأنيث مع أنه محتمل لضمير المؤنث لفظاً (فإن اسم الفاعل كالفعل في اقترانه بعلامة التأنيث إن كان متحملاً لضمير مؤنث لفظي) فقيل: إنما لم يقترن بعلاقة التأنيث لأن ضمير الساعة جرى عليها بعد تأويلها بالشيء أو اليوم.

والذي اختاره جمع من المحققين مثل أبي عبيدة والزجاح وابن عطية أن {قريباً} في مثل هذه الآية ليس خبراً عن فعل الكون ولكنه ظرف له، وهم يعنون أن فعل الكون تام وأن {قريباً} ظرف زمان لوقوعه، والتقدير: تقع في زمان قريب، فيلزم لفظُ

(قريب) الإِفراد والتذكيرَ على نية زمان أو وقت...