نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَسۡـَٔلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ ٱللَّهِۚ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (63)

ولما بين تعالى ما أعد {[56099]}لأعداء دينه{[56100]} في الدنيا ، وبين أن طريقته جادة لا تنخرم ، لما لها من قوانين الحكمة وأفانين الإتقان{[56101]} والعظمة ، وكان من أعظم الطرق الحكمية والمغيبات العلمية الساعة ، وكان قد قام ما يحرك إلى السؤال عنها في قوله : { لعنهم الله في الدنيا والآخرة } وكان قد{[56102]} مضى آخر السجدة أنهم سألوا استهزاء وتكذيباً عن تعيين وقتها ، وهددهم سبحانه على هذا السؤال ، قال تعالى مهدداً أيضاً{[56103]} على ذلك مبيناً ما{[56104]} لأعداء الدين المستهزئين في الآخرة : { يسئلك الناس } أي المشركون استهزاء منهم ، وعبر بذلك إشارة إلى أنهم بعد في نوسهم لم يصلوا إلى أدنى أسنان أهل الإيمان ، فكان{[56105]} المترددون في آرائهم لا يكادون ينفكون عن النوس وهو الاضطراب { عن الساعة } أي في تعيين وقتها .

ولما كانت إدامتهم السؤال عنها فعل من يظن أن غيره سبحانه يعلمها ، أكد فقال : { قل } أي{[56106]} في جوابهم : { إنما علمها عند الله } أي الذي أحاط علماً بجميع الخلال{[56107]} ، وله جميع أوصاف الجمال والجلال ، فهو يعلم ما عند كل أحد ولا يعلم أحد شيئاً{[56108]} مما عنده إلا بإذنه .

ولما كان من فؤائد العلم بوقت الشيء التحرز عنه أو مدافعته ، قال مشيراً إلى شدة خفائها بإخفائها عن أكمل خلقه مرجياً تقريبها تهديداً لهم : { وما يدريك } أي أيّ شيء يعلمك بوقتها ؟ ثم استأنف قوله : { لعل الساعة } أي التي لا ساعة في الحقيقة غيرها{[56109]} لما لها من العجائب { تكون } أي توجد وتحدث على وجه مهول عجيب { قريباً * } أي في زمن قريب ، ويجوز أن يكون التذكير لأجل الوقت لأن السؤال عنها إنما هو سؤال عن تعيين وقتها ، قال البخاري في الصحيح{[56110]} : إذا وصفت صفة المؤنث قلت : قريبة ، وإذا جعلته ظرفاً وبدلاً ولم ترد الصفة نزعت الهاء من المؤنث ، وكذلك لفظها في الواحد و{[56111]} الاثنين والجمع للذكر والأنثى . والمراد بالتعبير بلعل أنها بحيث يرجو قربها من يرجوه ويخشاه من يخشاه{[56112]} ، فهل أعد من يخشاها شيئاً للمدافعة إذا جاءت أو النجاة منها إذا أقبلت ؟


[56099]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا عدايه.
[56100]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لا عدايه.
[56101]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الاتفاق.
[56102]:زيد من ظ وم ومد.
[56103]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لهم نصا.
[56104]:من م ومد، وفي الأصل: لهم أي، والكلمة ساقطة من ظ.
[56105]:في ظ وم ومد: فكأنه قال.
[56106]:سقط من ظ وم.
[56107]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الحلال.
[56108]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: شيء.
[56109]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: غيره.
[56110]:راجع 2/706.
[56111]:زيد من الصحيح.
[56112]:زيد من ظ وم ومد.