في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

وبعد هذا الثناء الكريم على عبده يطمئنه إلى غده مع المشركين ، الذين رموه بذلك البهت اللئيم ؛ ويهددهم بافتضاح أمرهم وانكشاف بطلانهم وضلالهم المبين :

( فستبصر ويبصرون . بأيكم المفتون . إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) . .

والمفتون الذي يطمئن الله نبيه إلى كشفه وتعيينه هو الضال . أو هو الممتحن الذي يكشف الامتحان عن حقيقته . وكلا المدلولين قريب من قريب . . وهذا الوعد فيه من الطمأنينة لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وللمؤمنين معه ، بقدر ما فيه من التهديد للمناوئين له المفترين عليه . . أيا كان مدلول الجنون الذي رموه به . والأقرب إلى الظن أنهم لم يكونوا يقصدون به ذهاب العقل . فالواقع يكذب هذا القول . إنما كانوا يعنون به مخالطة الجنة له ، وإيحاءهم إليه بهذا القول الغريب البديع - كما كانوا يظنون أن لكل شاعر شيطانا هو الذي يمده ببديع القول ! - وهو مدلول بعيد عن حقيقة حال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وغريب عن طبيعة ما يوحى إليه من القول الثابت الصادق المستقيم .

وهذا الوعد من الله يشير إلى أن الغد سيكشف عن حقيقة النبي وحقيقة مكذبيه . ويثبت أيهم الممتحن بما هو فيه ؛ أو أيهم الضال فيما يدعيه . ويطمئنه إلى أن ربه ( هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) . . وربه هو الذي أوحى إليه ، فهو يعلم أنه المهتدي ومن معه . وفي هذا ما يطمئنه وما يقلق أعداءه ، وما يبعث في قلوبهم التوجس والقلق لما سيجيء !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

المفتون : المجنون لأنه فتن ، أي ابتلى بالجنون .

1

فستبصر ويبصرون* بأييّكم المفتون .

فسترى أيها الرسول الكريم ويرون من منكم المفتون المجنون ، من الذي سينهزم في بدر ، وفي فتح مكة ، ومن الذي سينتصر .

وأغلب الظنّ أن أهل مكة حين اتهموه صلى الله عليه وسلم بالجنون ، لم يكونوا يقصدون ذهاب العقل ، بل كانوا يذهبون إلى أن الجن تزيّن له ما يقول وتقدمه له ، فيخلط كلام الجن بكلامه ، كما ادعى العرب أن لكل شاعر شيطانا من الجنّ يعينه ويمده بالشعر .

قال تعالى : وما تنزّلت به الشياطين* وما ينبغي لهم وما يستطيعون* إنهم عن السمع لمعزولون . ( الشعراء : 210 -212 ) .

وقال تعالى : نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين . ( الشعراء : 193 ، 194 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

{ بأييكم المفتون } أي في أي فريق منكم الذي فتن بالجنون . أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين ؟ أي في أيهما من يستحق هذا الوصف . والباء بمعنى في ؛ وهو تعريض بغلاة المشركين الذين وصفوه صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف القبيح .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

{ بأيكم المفتون } قيل معناه : بأيكم المجنون . ف { المفتون } مفعول بمعنى المصدر ، كما يقال : ما بفلان مجلود ومعقول ، أي جلادة وعقل . وهذا معنى قول الضحاك ورواية العوفي عن ابن عباس . وقيل الباء بمعنى في ، مجازه : فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ، في فريقك أم في فريقهم ؟ . وقيل : بأيكم المفتون ، وهو الشيطان الذي فتن بالجنون ، وهذا قول مجاهد . وقال الآخرون : الباء فيه زائدة ، معناه : أيكم المفتون ؟ أي المجنون الذي فتن بالجنون ، وهذا قول قتادة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

" بأيكم المفتون " الباء زائدة ، أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون . أي الذي فتن بالجنون ؛ كقوله تعالى : " تنبت بالدهن{[15227]} " [ المؤمنون : 20 ] و " يشرب بها عباد الله{[15228]} " [ الإنسان : 6 ] . وهذا قول قتادة وأبي عبيد والأخفش . وقال الراجز :

نحن بنو جَعْدَة أصحاب الفَلَجْ *** نضربُ بالسيف ونرجو بالفَرَج{[15229]}

وقيل : الباء ليست بزائدة ، والمعنى : " بأيكم المفتون " أي الفتنة . وهو مصدر على وزن المفعول ، ويكون معناه الفُتُون ، كما قالوا : ما لفلان مجلود ولا معقول ، أي عقل ولا جلادة . وقاله الحسن والضحاك وابن عباس . وقال الراعي :

حتى إذا لم يتركوا لعظامه *** لحما ولا لفؤاده معقولا

أي عقلا . وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف ، والمعنى : بأيكم فتنة المفتون . وقال الفراء : الباء بمعنى في ، أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ، أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين ، أم بالفرقة الأخرى . والمفتون : المجنون الذي فتنه الشيطان . وقيل : المفتون المعذب . من قول العرب : فتنت الذهب بالنار إذا حميته . ومنه قوله تعالى : " يوم هم على النار يفتنون{[15230]} " [ الذاريات : 13 ] أي يعذبون .

ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل . وقيل : المفتون هو الشيطان ؛ لأنه مفتون في دينه . وكانوا يقولون : إن به شيطانا ، وعنوا بالمجنون هذا ، فقال الله تعالى : فسيعلمون غدا بأيهم المجنون ، أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل .


[15227]:راجع جـ 12 ص 114.
[15228]:راجع جـ 19 ص 124.
[15229]:الفلج (بفتح الفاء واللام): مدينة بأرض اليمامة لبني جعدة. ويجوز فيه: *نحن بني... * بالنصب على الاختصاص. (راجع الشاهد التاسع والثمانين بعد السبعمائة في خزانة الأدب).
[15230]:راجع جـ 17 ص 31.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

ولما كان صلى الله عليه وسلم هو ومن معه فريقاً والأعداء فريقاً ، وقد أبهم آخر الملك الضال في الفريقين قال : { بأييكم } أي في أي فريقيكم{[67400]} { المفتون * } أي{[67401]} بالضلال والجنون{[67402]} حتى صد عن الهدى{[67403]} ودين الحق ، أو بأيكم الفتنة بالجنون وغيره على أن يكون مصدر فتن ، قال الرازي : مصدر مثل المفتون وهو الجنون بلغة قريش ، كما يقال : ما له معقول وليس له مجلود ، أي عقل وجلادة .


[67400]:- زيد في الأصل: من هو، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67401]:- زيد من ظ وم.
[67402]:- من ظ وم، وفي الأصل: كان قد أبهم.
[67403]:- من ظ وم، وفي الأصل: الهوى.