في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

62

ويعقب عليه بتحذير من الشرك . يبدأ أول ما يبدأ بالأنبياء والمرسلين . وهم - صلوات الله عليهم - لا يتطرق إلى قلوبهم طائف الشرك أبداً . ولكن التحذير هنا ينبه سواهم من أقوامهم إلى تفرد ذات الله سبحانه في مقام العبادة ، وتوحد البشر في مقام العبودية ، بما فيهم الأنبياء والمرسلون :

( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك : لئن أشركت ليحبطن عملك ، ولتكونن من الخاسرين ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

المفردات :

لئن أشركت : على سبيل الفرض .

ليحبطن عملك : ليبطلن وليفسدن .

التفسير :

65- { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكوننّ من الخاسرين } .

يتفرد الله تعالى بالألوهية ، ويتصف كل ما سواه بالعبودية ، وقد أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلى سائر الرسل بأن الشرك إذا استمر إلى الوفاة ، يترتب عليه إحباط الأعمال السابقة ، فإذا تاب المشرك مخلصا تاب الله عليه .

قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . ( البقرة : 217 ) .

والشرك لا يتوقع ولا ينتظر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من إخوانه المرسلين ، فقد اصطفاهم الله واختارهم لهذه المهمة الجليلة ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، ولكن إذا صدر الشرك من المرسلين على سبيل الفرض أو الاحتمال ، لكان ذلك سببّا في إحباط العمل من المرسلين ، فمن باب أولى أن الشرك محبط العمل من سائر الخلق أجمعين .

قال تعالى : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } . ( الأنعام : 88 ) .

روى عن ابن عباس : أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزوجوه ما يشاء من النّساء ، ويعطوه ما يريد ، وقالوا : هذا لك يا محمد ، وتكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء ، قال : " حتى أنظر ما يأتيني من ربّي فنزل : { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون } . إلى آخر السورة ونزل : { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون * ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } .

وعن ابن عباس أيضا : أن المشركين من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة آلهتهم ، وهم يعبدون معه إلهه ، فنزلت هذه الآيات .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

{ ولقد أوحي إليك } أي ولقد أوحينا إليك وإلى كل رسول تقدمك : لئن أشركت بالله شيئا ليبطلن عملك الذي عملت قبل الشرك{ ولتكونن من الخاسرين } . وهو كلام على سبيل الفرض ؛ للإعلام بغاية شناعة الشرك ، وكونه بحيث ينهى عنه من يستحيل أن يباشره فكيف بمن عداه ! ويقرب منه ما قيل : إن الخطاب للرسول والمقصود أمته [ آية 88 الأنعام ص 231 ] .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

ليحبطن عملك : ليذهب هباء .

ثم بين الله تعالى أنه قد أوحى إلى الرسول الكريم والأنبياء من قبله أن يكونوا موحِّدين ولا يشركون بالله شيئاً ، ومن يشركْ يذهبْ عملُه هباءً ويكون من الخاسرين .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

قوله تعالى : " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت " قيل : إن في الكلام تقديما وتأخيرا . والتقدير : لقد أوحي إليك لئن أشركت وأوحي إلى الذين من قبلك كذلك . وقيل : هو على بابه . قال مقاتل : أي أوحي إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد والتوحيد محذوف . ثم قال : " لئن أشركت " يا محمد : " ليحبطن عملك " وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة . وقيل : الخطاب له والمراد أمته ، إذ قد علم الله أنه لا يشرك ولا يقع منه إشراك . والإحباط الإبطال والفساد . قال القشيري : فمن ارتد لم تنفعه طاعاته السابقة ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة على الكفر ؛ ولهذا قال : " من يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم " [ البقرة : 217 ] فالمطلق ها هنا محمول على المقيد ؛ ولهذا قلنا : من حج ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لا يجب عليه إعادة الحج .

قلت : هذا مذهب الشافعي . وعند مالك تجب عليه الإعادة وقد مضى في " البقرة " {[13335]} بيان هذا مستوفى .


[13335]:راجع ج 3 ص 48 طبعة أولى أو ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

ولما كان التقديم يدل على الاختصاص ، وكانوا لم يدعوه للتخصيص ، بل للكف المقتضي للشرك ، بين أنه تخصيص من حيث أن الإله غني عن كل شيء فهو لا يقبل عملاً فيه شرك ، ومتى حصل أدنى شرك كان في ذلك العمل كله للذي أشرك ، فكان التقدير بياناً لسبب أمره بأن يقول لهم ما تقدم منكراً عليهم : قل كذا ، فلقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك وجوب التوحيد ، فعطف عليه قوله مؤكداً لأجل ما استقر في النفوس من أن من عمل لأحد شيئاً قبل سواء كان على وجه الشركة أولا : { ولقد } ولما كان الموحي معلوماً له صلى الله عليه وسلم ، بني للمفعول قوله : { أوحي إليك } ولما كان التعميم أدعى إلى التقبل قال : { وإلى الذين } ولما كان الإرسال إنما هو في بعض الزمان لبعض الناس قال : { من قبلك } ولما كان الحكم على قوم ربما كان حكماً على المجموع مع قيد الجمع خص بياناً لأنه مع كونه حكماً على المجموع حكم على كل فرد ، ولأن خطاب الرئيس خطاب لأتباعه لأنه مقتداهم .

ولما كان الموحى إليهم أنه من أشرك حبط عمله سواء كان هو أو غيره ، صح قوله بالإفراد موضع نحو أن الإشراك محبط للعمل وقائم مقام الفاعل ، وعدل عنه إلى ما ذكر لأنه أعظم في النهي وأقعد في الزجر لمن يتأهل له من الأمة ، وأكد لأن المشركين ينكرون معناه غاية الإنكار : { لئن } أي أوحى إلى كل منكم هذا اللفظ وهو وعزتي لئن { أشركت } أي شيئاً من الأشياء في شيء من عملك بالله وهو من فرض المحال ، ذكره هكذا ليكون أروع للأتباع ، والفعل بعد إن الشرطية للاستقبال ، فعدل هنا عن التعبير بالمضارع للمطابقة بين اللفظ والمعنى لأن الآية سيقت للتعريض بالكفار فكان التعبير بالماضي أنسب ليدل بلفظه على أن من وقع منه شرك فقد خسر ، وبمعناه على أن الذي يقع منه ذلك فهو كذلك .

ولما تقرر الترهيب أجاب الشرط والقسم بقوله : { ليحبطن } أي ليفسدن فيبطلن عملك فلا يبقى له أثراً ما من جهة القادر فلأنه أشرك به فيه وهو غني لا يقبل إلا الخالص ، لأنه لا حاجة به إلى شيء ، وأما من جهة غيره فلأنه لا يقدر على شيء . ولما كان السياق للتهديد ، وكانت العبادة شاملة لمت تقدم على الشرك من الأعمال وما تأخر عنه ، لم يقيده بالاتصال بالموت اكتفاء بتقييده في آية البقرة وقال : { ولتكونن } أي لأجل حبوطه { من الخاسرين * } فإنه من ذهب جميع عمله لا شك في خسارته ، والخطاب للرؤساء على هذا النحو - وإن كان المراد به في الحقيقة أتباعهم - أزجر للأتباع ، وأهز للقلوب منهم والأسماع .