في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الذاريات مكية وآياتها ستون

هذه السورة ذات جو خاص . فهي تبدأ بذكر قوى أربعة . . من أمر الله . . في لفظ مبهم الدلالة ، يوقع في الحس لأول وهلة أنه أمام أمور ذات سر . يقسم الله - تعالى - على أمر : والذاريات ذروا ، فالحاملات وقرا ، فالجاريات يسرا ، فالمقسمات أمرا . إنما توعدون لصادق . وإن الدين لواقع . .

والذاريات . والحاملات . والجاريات . والمقسمات . . مدلولاتها ليست متعارفة ، وهي غامضة تحتاج إلى السؤال والاستفسار ، كما أنها بذاتها تلقي في الحس ذلك الظل . ولعله هو المقصود الأول منها في جو هذه السورة .

وما يكاد القسم الأول ينتهي حتى يعقبه قسم آخر بالسماء : ( والسماء ذات الحبك ) . . يقسم بها الله تعالى . على أمر : ( إنكم لفي قول مختلف ) . . لا استقرار له ولا تناسق فيه ، قائم على التخرصات والظنون ، لا على العلم واليقين . .

هذه السورة : بافتتاحها على هذا النحو ، ثم بسياقها كله ، تستهدف أمرا واضحا في سياقها كله . . ربط القلب البشري بالسماء ؛ وتعليقه بغيب الله المكنون ؛ وتخليصه من أوهاق الأرض ، وإطلاقه من كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله ، والانطلاق إليه جملة ، والفرار إليه كلية ، استجابة لقوله في السورة : ( ففروا إلى الله ) . . وتحقيقا لإرادته في عباده : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) . .

ولما كان الانشغال بالرزق وما يخبئه القدر عنه هو أكثف تلك العوائق وأشدها فقد عني في هذه السورة بإطلاق الحس من إساره ، وتطمين النفس من جهته ، وتعليق القلب بالسماء في شأنه ، لا بالأرض وأسبابها القريبة . وتكررت الإشارة إلى هذا الأمر في السورة في مواضع متفرقة منها . إما مباشرة كقوله تعالى : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) . . ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) . . وإما تعريضا كقوله يصور حال عباده المتقين مع المال : ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) . . ووصفه لجود إبراهيم وسخائه وهو يقري ضيوفه القلائل - أو من حسبهم ضيوفه من الملائكة - بعجل سمين ، يسارع به إليهم عقب وفودهم إليه ، وبمجرد إلقاء السلام عليه ، وهو لم يعرفهم إلا منذ لحظة !

فتخليص القلب من أوهاق الأرض ، وإطلاقه من إسار الرزق ، وتعليقه بالسماء ، ترف أشواقه حولها ، ويتطلع إلى خالقها في علاه ، بلا عائق يحول بينه وبين الانطلاق ، ويعوقه عن الفرار إلى الله . هو محور السورة بكل موضوعاتها وقضاياها التي تطرقها . ومن ثم كان هذا الاقتتاح ، وكان ذلك الإيقاع الغامض في أولها ، وكان القسم بعده بالسماء ، وكان تكرار الإشارة إلى السماء أيضا . .

وفي هذا كانت صورة المتقين التي يرسمها في مطلع السورة : ( إن المتقين في جنات وعيون . آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين . كانوا قليلا من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون . وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) . . فهي صورة التطلع إلى الله ، والتجرد له ، والقيام في عبادته بالليل ، والتوجه إليه في الأسحار . مع إرخاص المال ، والتخلص من ضغطه ، وجعل نصيب السائل والمحروم حقا فيه .

وفي هذا كان التوجيه إلى آيات الله في الأرض وفي الأنفس مع تعليق القلوب بالسماء في شأن الرزق ، لا بالأرض وما فيها من أسبابه القريبة : ( وفي الأرض آيات للموقنين . وفي أنفسكم أفلا تبصرون . وفي السماء رزقكم وما توعدون ) . .

وفي هذا كانت الإشارة إلى بناء الله للسماء على سعة ، وتمهيده للأرض في يسر ، وخلقه ما فيها من أزواج ، والتعقيب على هذا كله بالفرار إلى الله : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون . والأرض فرشناها فنعم الماهدون . ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ) . .

وفي هذا كان الإيقاع الأخير البارز في السورة ، عن إرادة الله سبحانه في خلق الجن والإنس ، ووظيفتهما الرئيسية الأولى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون . إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) . .

فهو إيقاع واحد مطرد . ذو نغمات متعددة . ولكنها كلها تؤلف ذلك الإيقاع ، وتطلق ذلك الحداء . الحداء بالقلب البشري إلى السماء !

وقد وردت إشارات سريعة إلى حلقة من قصة إبراهيم ولوط ، وقصة موسى ، وقصة عاد ، وقصة ثمود ، وقصة قوم نوح . وفي الإشارة إلى قصة إبراهيم تلك اللمحة عن المال ؛ كما أن فيها لمحة عن الغيب المكنون في تبشيره بغلام عليم ، ورزقه هو وامرأته به على غير ما توقع ولا انتظار . وفي بقية القصص إشارة إلى تصديق وعد الله الذي أقسم عليه في أول السورة : ( إنما توعدون لصادق )والذي أشار إليه في ختامها إنذارا للمشركين : ( فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون ) . . بعد ما ذكر أن أجيال المكذبين كأنما تواصت على التكذيب : ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا : ساحر أو مجنون . أتواصوا به ? بل هم قوم طاغون ! ) . .

فالقصص في السورة - على هذا النحو - مرتبط بموضوعها الأصيل . وهو تجريد القلب لعبادة الله ، وتخليصه من جميع العوائق ، ووصله بالسماء . بالإيمان أولا واليقين . ثم برفع الحواجز والشواغل دون الرفرفة والانطلاق إلى ذلك الأفق الكريم .

( الذاريات ذروا ، فالحاملات وقرا ، فالجاريات يسرا ، فالمقسمات أمرا . . إن ما توعدون لصادق ، وإن الدين لواقع . . )

هذه الإيقاعات القصيرة السريعة ، بتلك العبارات الغامضة الدلالة ، تلقي في الحس - كما تقدم - إيحاء خاصا ، وتلقي ظلا معينا ، يعلق القلب بأمر ذي بال ، وشأن يستحق الانتباه . وقد احتاج غير واحد في العهد الأول أن يستفسر عن مدلول الذاريات ، والحاملات ، والجاريات ، والمقسمات . .

قال ابن كثير في التفسير : قال شعبة بن الحجاج ، عن سماك بن خالد بن عرعرة ، أنه سمع عليا - رضي الله عنه - وشعبة أيضا عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، أنه سمع عليا - رضي الله عنه - وثبت أيضا من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه صعد منبر الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلا أنبأتكم بذلك . فقام ابن الكواء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما معنى قوله تعالى : ( والذاريات ذروا )? قال علي - رضي الله عنه : الريح . قال : ( فالحاملات وقرا )? قال - رضي الله عنه - : السحاب . قال : ( فالجاريات يسرا )? قال - رضي الله عنه - : السفن . قال : ( فالمقسمات أمرا )? قال - رضي الله عنه - : الملائكة .

وجاء صبيغ بن عسل التميمي إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فسأله عنها فأجابه بمثل ما روي عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وقد أحس عمر - رضي الله عنه - أنه يسأل عنها تعنتا وعنادا فعاقبه ومنعه من مجالسة الناس حتى تاب وحلف بالأيمان المغلظة : ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا . . وهذه الرواية تشي كذلك بأن غموض مدلولات هذه التعبيرات هو الذي جعل المتعنتين يستترون وراءها ويسألون عنها !

وهكذا فسرها ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والسدي وغير واحد ؛ ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك [ كما قال ابن كثير .

أقسم الله - سبحانه - بالرياح التي تذرو ما تذروه من غبار وحبوب لقاح وسحب وغيرها مما يعلم الإنسان وما يجهل . وبالسحاب الحاملات وقرا من الماء يسوقها الله به إلى حيث يشاء . وبالسفن الجاريات في يسر على سطح الماء بقدرته وبما أودع الماء وأودع السفن وأودع الكون كله من خصائص تسمح بهذا الجريان اليسير . ثم بالملائكة المقسمات أمرا ، تحمل أوامر الله وتوزعها وفق مشيئته ، فتفصل في الشؤون المختصة بها ، وتقسم الأمور في الكون بحسبها .

والريح والسحاب والسفن والملائكة خلق من خلق الله ، يتخذها أداة لقدرته ، وستارا لمشيئته ، ويتحقق عن طريقها قدر الله في كونه وفي عباده . وهو يقسم بها - سبحانه - للتعظيم من شأنها ، وتوجيه القلوب إليها ، لتدبر ما وراءها من دلالة ؛ ولرؤية يد الله وهي تنشئها وتصرفها وتحقق بها قدر الله المرسوم . وذكرها على هذه الصورة بصفة خاصة يوجه القلب إلى أسرارها المكنونة ؛ ويعلقه بمبدع هذه الخلائق من وراء ذكرها هذا الذكر الموحي .

ثم لعل لها كذلك صلة من ناحية أخرى بموضوع الرزق ، الذي يعني سياق هذه السورة بتحرير القلب من أوهاقه ، وإعفائه من أثقاله . فالرياح والسحب والسفن ظاهرة الصلة بالرزق ووسائله وأسبابه . أما الملائكة وتقسيمها للأمر ، فإن الرزق أحد هذه القسم . ومن ثم تتضح الصلة بين هذا الافتتاح وموضوع بارز تعالجه السورة في مواضع شتى .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الذاريات

أهداف سورة الذاريات

سورة مكية ، وآياتها 60 آية ، نزلت بعد سورة الأحقاف .

معاني السورة

بدأت السورة بهذا القسم :

{ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ( 1 ) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ( 2 ) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ( 3 ) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ( 4 ) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ( 5 ) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ( 6 ) } . ( الذاريات : 1- 6 ) .

وهي كلمات غير مطروقة وغير متداولة ، وقد سئل الإمام علي رضي الله عنه ، عن معنى قوله تعالى : { والذاريات ذروا } . فقال رضي الله عنه : هي الريح ، فسئل عن : { فالحاملات وقرا } . فقال : هي السحاب ، فسئل عن : { فالجاريات يسرا } . فقال : هي السفن ، فسئل عن : { فالمقسمات أمرا } . فقال : هي الملائكة .

{ والذاريات ذروا } . هي الريح التي تذرو التراب وغيره ، { فالحاملات وقرا } . أي : السحب الحاملة للمطر ،

والوقر : الحمل الثقيل ، { فالجاريات يسرا } . أي : السفن الجارية في البحر جريا سهلا ، { فالمقسمات أمرا } . أي : الملائكة التي تقسم وتوزع أمور الله من الأمطار والأرزاق وغيرها .

لقد أقسم الله بالريح وبالسحب وبالسفن وبالملائكة ، وفي هذا القسم ما يوحي بأن الرزق بيد الله ، فهو الذي يسوق السحاب ، وهو الذي يسخر الريح للسفن ، وهو الذي جعل الملائكة أصنافا تقسم الأمور ، فالخلق البديع المنظم وراءه قوة عليا مبدعة ، وهو سبحانه قد وعد الناس أن يجازيهم بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا ، ووعده واقع لا محالة .

{ والسماء ذات الحبك } . ( الذاريات : 7 ) . الحبك بضمتين : جمع حبيكة ، وهي الطريق ومدار الكواكب ، والمراد الطرائق التي هي مسير الأجرام السماوية من نجوم وكواكب ، يقسم الله بالسماء المتسقة المحكمة الترتيب ، بما فيها من نجوم وكواكب تسلك طريقها مسرعة في مجراتها العظيمة بنظام دقيق وإبداع شامل ، على أن المشركين يخوضون في حديث باطل وقول متناقض مضطرب ، فصنع الله محكم ، وعمل الكافرين باطل مضطرب فتراهم حينا يقولون عن النبي : إنه شاعر ، وتارة يقولون : ساحر ، ومرة ثالثة يقولون : مجنون ، وهذا دليل على التخبط وفساد الرأي .

وقد رسمت السورة صورة الكافرين يذوقون عذاب جهنم ، ويقال لهم : { ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } . ( الذاريات : 14 ) .

أي : تعرضوا لعذاب النار ، وقد كنتم تستعجلون مجيئه استهزاء بأمره واستبعادا لوقوعه .

وعلى الضفة الأخرى ، وفي الصفحة المقابل ، يرتسم مشهد آخر لفريق آخر ، فريق مستيقن بالآخرة ، مستيقظ للعمل الصالح ، فريق المتقين الذين أدوا حقوق الله بالصلاة وقيام الليل ، وأدوا حقوق الناس بالزكاة والصدقة .

آيات الله في الأرض والسماء

تشير الآية العشرون إلى آثار قدرة الله في خلق الأرض ، فيقول سبحانه : { وفي الأرض آيات للموقنين } . ( الذاريات : 20 ) . وإذا تأملنا مضمون هذه الآية وجدنا أن هذا الكوكب الذي نعيش عليه معرض هائل لآيات الله وعجائب صنعته ، هذه الأرض تكاد تنفرد باستعدادها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته ، ولو اختلت خصيصة واحدة من خصائص الأرض الكثيرة جدا لتعذر وجود هذا النوع من الحياة عليها . . ولو تغير حجمها صغرا أو كبرا ، لو تغير وضعها من الشمس قربا أو بعدا ، لو تغير حجم الشمس ودرجة حرارتها ، لو تغير ميل الأرض على محورها هنا أو هنا ، لو تغيرت حركتها حول نفسها أو حول الشمس سرعة أو بطئا ، لو تغير حجم القمر أو بعده عنها ، لو تغيرت نسبة الماء إلى اليابس فيها زيادة أو نقصا . . لو . . لو . . لو ، إلى آلاف الموافقات العجيبة المعروفة والمجهولة التي تتحكم في صلاحيتها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته ، أليست هذه آية أو آيات معروفة في هذا المعرض الإلهي ؟ .

( وتنوع مشاهد هذه الأرض ومناظرها ، حيثما امتد الطرف ، وحيثما تنقلت القدم ، وعجائب هذه المشاهد التي لا تنفذ : من واد وجبل ، ووهاد وبطاح ، وبحار وبحيرات ، وأنهار وغدران ، وقطع متجاورات ، وجنات وأعناب ، وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان . . وكل مشهد من هذه المشاهد تتناوله يد الإبداع والتغيير الدائبة التي لا تفتر عن الإبداع والتغيير )1 .

{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون } . ( الذاريات : 21 ) .

خلق الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وشق له السمع والبصر ، وزوده بالحواس المتعددة ووسائل الإدراك المختلفة .

( وحيثما وقف الإنسان يتأمل عجائب نفسه التقى بأسرار تدهش وتحير ، تكوين أعضائه وتوزيعها ، وظائفها وطريقة أدائها لهذه الوظائف ، عملية الهضم والامتصاص ، عملية التنفس والاحتراق ، دورة الدم في القلب والعروق ، الجهاز العصبي وتركيبه وإدارته للجسم ، الغدد وإفرازها وعلاقتها بنمو الجسد وانتظامه ، تناسق هذه الأجهزة كلها وتعاونها وتجاوبها الكامل الدقيق ، وكل عجيبة من هذه تنطوي تحتها عجائب ، وفي كل عضو وكل جزء من عضو خارقة تحير الألباب )2 .

{ وفي السماء رزقكم وما توعدون } . ( الذاريات : 22 ) .

فبيد الله الخلق والرزق والهدى والضلال ، وأرزاق السماء تشمل الأرزاق المادية والمعنوية .

( وفي السماء أسباب أقواتكم ، فالظواهر الفلكية ، وجريان الشموس والكواكب وتوابعها ، واختلاف الليل والنهار ، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ، وبث فيها من كل دابة ، وتصريف الرياح ، والسحاب المسخر بين السماء والأرض ، كل هذه الظواهر ذللها الله لخدمة الإنسان ، فليس الرزق موقوفا على شيء يتعلق بالأرض وحدها ، بل الأمر كله لله تعالى ، يقبض ويبسط ، وإليه المآب )3 .

ثم يعقب الله بالقسم : بحق رب الأرض والسماء إن هذا الأمر لحق مثل نطقكم ، بل تشكون في أنكم تنطقون ؟

قصة إبراهيم

يشتمل القطاع الثاني من سورة ( الذاريات ) على الإشارة إلى قصص إبراهيم ولوط وموسى ، وعاد قوم هود ، وثمود قوم صالح ، ثم آية واحدة عن قوم نوح ، وهذا القصص مرتبط بما قبله ، ومرتبط بما بعده في سياق السورة .

وإبراهيم أبو البشر اتخذه الله خليلا ، وأرسل إليه ملائكة مكرمين ، فأكرم الخليل وفادتهم ، وقرب لهم عجلا سمينا ودعاهم للأكل منه ، ولكنهم أمسكوا عن الطعام ، فخاف منهم إبراهيم فلما شاهدوا خوفه أخبروه بأنهم ملائكة من السماء أرسلهم الله إليه ، ثم بشروه بغلام حليم .

وأقبلت زوجته ، وقد استولى عليها هول المفاجأة ، فضربت وجهها بأطراف أصابعها ، وصاحت متعجبة من الحمل وهي عجوز عقيم ، فأخبرتها الملائكة بأنه لا وجه للعجب فذلك أمر الله ، وهو الحكيم في أعماله ، العليم بعباده .

قصة لوط

واتجهت الملائكة بعد ذلك إلى لوط عليه السلام ، فلما رآهم لوط أنكرهم وضاق بهم ذرعا ، فقالت له الملائكة : يا لوط ، إنا رسل ربك ، جئنا لإنقاذك ومن معك من المؤمنين ، فأرسل بأهلك في ظلام الليل ، ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فقد حقت عليها كلمة العذاب مثل هؤلاء الظالمين .

ولم تجد الملائكة في قرى قوم لوط غير أهل بيت واحد من المسلمين هو لوط وابنتاه .

ولما خرج لوط وابنتاه ، جعل الله ديارهم عاليها سافلها ، وساق إليهم عاصفة رعدية أمطرتهم بحجارة مسمومة ، استأصلت شأفتهم وتركتهم أثرا بعد عين ، وجعلهم الله عظة وعبرة للمعتبرين .

إشارات إلى قصص الأنبياء

أشارت الآيات ( 38- 46 ) إلى العبرة والعظة من قصة موسى ، ومن قصص غيره من الأنبياء في لمحة عاجلة .

لقد أرسل الله موسى -ومعه سلطان الهيبة وجلال النبوة- إلى فرعون وملئه ، فأعرض فرعون عن موسى واتهمه بالسحر والجنون ، فأغرق الله فرعون وجنده في البحر ، وألبسه ثوب الخزي والندم .

وآية أخرى في عاد قوم نبي الله هود ، حين كذبوا نبيهم فأرسل الله عليهم ريحا عاتية تحمل العذاب والدمار .

وآية ثالثة في ثمود ، أمهلهم الله ثلاثة أيام ، ثم أرسل عليهم صاعقة فأصبحوا هالكين .

والحجارة التي أرسلت على قوم لوط ، والريح التي أرسلت على عاد ، والصاعقة التي أرسلت على ثمود ، كلها قوى كونية مدبرة بأمر الله ، مسخرة بمشيئته ونواميسه ، يسلطها على من يشاء في إطار تلك النواميس ، فتؤدي دورها الذي يكلفها الله كأي جند من جند الله .

آية رابعة في قوم نوح ، فقد أهلكوا وأغرقوا لفسوقهم وكفرهم وخروجهم على طاعة الله .

وللتنبيه إلى بدائع صنعه إيقاظا للعاطفة الدينية ، عاد فذكر أنه رفع السماء ووسعها ، وخلق الأرض ومهدها ، وأعدها لما عليها من الكائنات ، ومن كل شيء في هذه الأرض خلقنا ذكرا وأنثى ليكون ذلك وسيلة للعظة والاعتبار .

ثم يحث القرآن الناس على أن يتخلصوا من آثار المادة والهوى والشيطان ، فرارا بدينهم ، وطمعا في رحمة خالقهم ، ورغبة في حماه وفضله : { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } . ( الذاريات : 50 ) .

وتكشف الآيات عن طبيعة المعاندين في جميع العصور ، فقد كذبوا الرسل واتهموهم بالجنون أو بالسحر كأنما وصى السابق منهم اللاحق ، وكأن الكفر في طبيعته ملة واحدة ، والرسالات كلها فكرة واحدة ، فمن كذب برسول واحد فكأنما كذب برسل الله أجمعين .

{ كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون } .

الذاريات : ( 52 ، 53 ) .

ختام السورة

هذه السورة تربط القلب البشري بالله ، وترشده إلى عظيم صنعه ، وفي ختام السورة يؤكد الله هذا المعنى فيبين أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعرفوه ويوحدوه ويؤمنوا به ، فهو سبحانه وتعالى غني بذاته ، وهم في حاجة وافتقار إليه .

إن معنى العبادة هي الخلافة في الأرض ، وهي غاية الوجود الإنساني ، وهي أوسع وأشمل من مجرد الشعائر ، وتتمثل حقيقة العبادة في أمرين رئيسيين :

الأول : هو استقرار معنى العبودية لله في النفس ، أي استقرار الشعور بأنه ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ، وإلا رب واحد والكل له عبيد .

والثاني : هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير ، وكل حركة في الجوارح ، وكل حركة في الحياة .

بهذا وذاك يتحقق معنى العبادة ، ويصبح العمل كالشعائر ، والشعائر كعمارة الأرض ، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله ، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضا بقدر الله ، كلها عبادة ، وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها ، وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه .

والمؤمن الحق هو الحريص على أداء واجباته ومرضاة ربه ، وهو لا يعني نفسه بأداء الواجبات تحقيقا لمعنى العبادة في الأداء ، أما الغايات فموكولة لله يأتي بها وفق قدره الذي يريده .

إن الله تعالى لم يخلق الجن والإنس ليستعين بهم لجلب منفعة لذاته أو لدفع مضرة ، وما يريد الله منهم أن يرزقوا أحدا من خلقه أو يطعموه ، إن الله سبحانه وتعالى هو الكفيل برزقهم ، والمتفضل عليهم بما يقوم بمعيشتهم ، وهو سبحانه ذو القدرة والقوة ، وهو الغالب على أمره فلا يعجزه شيء .

وفي ضوء هذه الحقيقة ينذر الذين ظلموا فلم يؤمنوا بأن لهم نصيبا من العذاب مثل نصيب من سبقهم من الظالمين ، فالله يمهل ولا يهمل ، وتختتم السورة بهذا الإنذار الأخير : { فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون * فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون } . ( الذاريات : 59 ، 60 ) .

المعنى الإجمالي للسورة

قال الفيروزبادي :

معظم مقصود سورة الذاريات ما يأتي : القسم بأن البعث والقيامة حق ، والإشارة إلى عذاب أهل الضلالة ، وثواب أرباب الهداية ، وحجة الوحدانية ، وكرامة إبراهيم في باب الضيافة ، وهلاك قوم لوط وفرعون وقومه لمخالفتهم أمر الله ، وتدمير عاد وثمود وقوم نوح وخسرانهم ، وخلق السماوات والأرض للنفع والإفادة ، وزوجية المخلوقات للدلالة على قدرة الخالق ، وتخليق الخلق لأجل العبادة ، واستحقاق المنكرين للعذاب والعقوبة4 .

1

المفردات :

الذاريات : الرياح تذرو التراب وغيره ، أي : تفرقه .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 – { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ( 1 ) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ( 2 ) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ( 3 ) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ( 4 ) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ( 5 ) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ( 6 ) } .

هذا القسم يأخذ بالألباب ، في رشاقة ويسر وتناسق ، وقد ثبت من غير وجه عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ، أنه صعد منبر الكوفة ، فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله ، ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك ، فقام إليه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ، ما معنى قوله تعالى :

{ والذاريات ذروا } . قال علي : الريح .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآياتها ستون

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والذاريات ذروا . . } أقسم تعالى بالرياح التي تذرو التراب وغيره لقوتها ، ثم بالسحب الحاملات للأمطار ، ثم بالسفن الجاريات جريا سهلا في البحار ، ثم بالملائكة المقسمات الأمور المقدرة بين الخلق على ما أمرت به – على أن ما وعدوا به من البعث موعود صادق ، وأن الجزاء يوم القيامة محقق واقع . وقد رتبت هذه الأقسام باعتبار تفاوتها في الدلالة على كمال قدرته تعالى ؛ وإن كانت كلها من أعظم دلائل القدرة على البعث . والمقصود بها : أن من قدر على هذه الأمور العجيبة ، يقدر على إعادة ما أنشأه أولا . " والذاريات " من ذرت الريح التراب تذره ذروا ، وتذريه ذريا – من بابي عدا ورمى – سفته وطيرته . و " ذروا " مصدر مؤكد . " وقرا " أي حملا وثقلا ، مفعول به . " يسرا " أي جريا ذا يسر وسهولة إلى حيث سيرت ؛ صفة مصدر محذوف بتقدير مضاف . " أمرا " مفعول به .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الذاريات مكية

{ 1-6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ }

هذا قسم من الله الصادق في قيله ، بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافع ، ما جعل على أن وعده صدق ، وأن الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الأعمال ، لواقع لا محالة ، ما له من دافع ، فإذا أخبر به الصادق العظيم وأقسم عليه ، وأقام الأدلة والبراهين عليه ، فلم يكذب به المكذبون ، ويعرض عن العمل له العاملون .

والمراد بالذاريات : هي الرياح التي تذروا ، في هبوبها { ذَرْوًا } بلينها ، ولطفها ، ولطفها وقوتها ، وإزعاجها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الذاريات

مكية وآياتها ستون

قوله تعالى : { والذاريات ذرواً } يعني : الرياح التي تذر التراب ذرواً ، يقال : ذرت الريح التراب وأذرت .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي ستون آية بلا خلاف

{ والذاريات ذروا } أي الرياح التي تذرو التراب

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجميع وهي ستون آية

قوله تعالى : " والذاريات ذروا " قال أبو بكر الأنباري : حدثنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد أن رجلا قال لعمر رضي الله عنه : إني مررت برجل{[14196]} يسأل عن تفسير مشكل القرآن ، فقال عمر : اللهم أمكني منه ، فدخل الرجل على عمر يوما وهو لا بس ثيابا وعمامة وعمر يقرأ القرآن ، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ما " الذاريات ذروا " فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ، ثم قال : ألبسوه ثيابه واحملوه على قَتَب وأبلغوا به حيه ، ثم ليقم خطيبا فليقل : إن صَبِيغا{[14197]} طلب العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم . وعن عامر بن واثلة أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ما " الذاريات ذروا " قال : ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا " والذاريات ذروا " الرياح " فالحاملات وقرا " السحاب " فالجاريات يسرا " السفن " فالمقسمات أمرا " الملائكة . وروى الحرث عن علي رضي الله عنه " والذاريات ذروا " قال : الرياح " فالحاملات وقرا " قال : السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر " فالجاريات يسرا " قال : السفن موقرة " فالمقسمات أمرا " قال : الملائكة تأتي بأمر مختلف ، جبريل بالغلظة ، وميكائيل صاحب الرحمة ، وملك الموت يأتي بالموت . وقال الفراء : وقيل تأتي بأمر مختلف من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث{[14198]} . ويقال : ذرت الريح التراب تذروه ذروا وتذرية ذريا . ثم قيل : " والذاريات " وما بعده أقسام ، وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفا . وقيل : المعنى ورب الذاريات ، والجواب " إنما توعدون " أي الذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب " لصادق " لا كذب فيه ، ومعنى " لصادق " لصدق ، وقع الاسم موقع المصدر . " وإن الدين لواقع " يعني الجزاء نازل{[14199]} بكم . ثم ابتدأ قسما آخر فقال : " والسماء ذات الحبك . إنكم لفي قول مختلف " [ الذاريات : 7 ] وقيل إن الذاريات النساء الولودات ؛ لأن في ذرايتهن ذرو الخلق ؛ لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات ، وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده الصالحين . وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذاريا لأمرين : أحدهما : لأنهن أوعية دون الرجال ، فلاجتماع الذّروين فيهن خصصن بالذِّكر . الثاني : أن الذّرو فيهن أطول زمانا ، وهن بالمباشرة أقرب عهدا . " فالحاملات وقرا " السحاب . وقيل : الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل . والوقر بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن ، يقال : جاء يحمل وقره وقد أوقر بعيره . وأكثر ما يستعمل الوقر في حمل البغل والحمار ، والوسق في حمل البعير . وهذه امرأة موقرة بفتح القاف إذا حملت حملا ثقيلا . وأوقرت النخلة كثر حملها ، يقال : نخلة موقرة وموقر وموقرة ، وحكي موقر وهو على غير القياس ؛ لأن الفعل للنخلة . وإنما قيل : موقر بكسر القاف على قياس{[14200]} قولك امرأة حامل ؛ لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء ، فأما موقر بالفتح فشاذ ، وقد روي في قول لبيد يصف نخيلا :

عَصَبٌ كَوَارِعُ في خليجٍ مُحَلَّمٍ *** حَمَلَتْ فمنها مُوقَرٌ مَكْمُومُ

والجمع مواقر . فأما الوقر بالفتح فهو ثقل الأذن ، وقد وقرت أذنه توقر وقرا أي صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وقد تقدم في " الأنعام{[14201]} " القول فيه . " فالجاريات يسرا " السفن تجري بالرياح يسرا إلى حيث سيرت . وقيل : السحاب ، وفي جريها يسرا على هذا القول وجهان : أحدهما : إلى حيث يسيرها الله تعالى من البلاد والبقاع . الثاني : هو سهولة تسييرها ، وذلك معروف عند العرب ، كما قال الأعشى :

كأن مِشْيَتَها من بيت جارتها *** مشيُ السحابة لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ


[14196]:هو صبيغ ـ كأمير ـ بن عسل ـ بكسر العين ـ كان يعنت الناس بالغوامض والسؤالات من متشابه القرآن فنفاه عمر إلى البصرة بعد ضربه، وكتب إلى واليها ألا يؤويه، ونهى عن مجالسته (التاج).
[14197]:هو صبيغ ـ كأمير ـ بن عسل ـ بكسر العين ـ كان يعنت الناس بالغوامض والسؤلات من متشابه القرآن فنفاه عمر إلى البصرة بعد ضربه، وكتب إلى واليها ألا يؤويه، ونهى عن مجالسته (التاج).
[14198]:في ل، ن: "الخوارق".
[14199]:في ز، ل، ن: "النازل".
[14200]:الزيادة من كتب اللغة.
[14201]:راجع جـ 6 ص 404.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الذاريات

مكية وآياتها 60 نزلت بعد الأحقاف

{ والذاريات ذروا } هي الرياح تذرو التراب وغيره ، ومنه قوله تعالى : { تذروه الرياح } [ الكهف : 54 ] ، وانتصب ذروا على المصدرية .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الذاريات{[1]}

قصودها الدلالة على صدق ما أنذرت به سورة ق تصريحا وبشرت به تلويحا ، ولا سيما آخرها{[2]}من مصاب الدنيا وعذاب الآخرة ، واسمها الذاريات ظاهر في ذلك بملاحظة جواب القسم فإنه مع القسم لشدة الارتباط كالآية الواحدة{[3]} وإن كان خمسا ، والتعبير عن الرياح بالذاريات أتم إشارة إلى ذلك ، فإن تكذيبهم بالوعيد لكونهم لا يشعرون بشيء من أسبابه وإن كانت موجودة معهم كما أن ما يأتي من السحاب من الرحمة والنقمة أسبابه موجودة ، وهي الرياح وإن كانوا لا يرونها ، والريح من شأنها الذرء وهو التفريق ، فإذا أراد الله جمعت فكان ما أراد ، فإنها تفرق الأبخرة ، فإذا أراد الله سبحانه جمعها فحملها ما أوجد فيها فأوقرها به فأجراها إجراء سهلا ، فقسم منها ما أراد تارة برقا وأخرى رعدا ، يصل صليل الحديد على الحديد ، أو الحجر على مثله مع لطافة السحاب ، كل ما يشاهد{[4]} فيه من الأسباب ، وآونة مطرا شديد الانصباب ، ومرة {[5]} بردا ومرة ثلجا{[6]} يرجى ويهاب ، وحينا صواعق ونيرانا لها أي التهاب ، ووقتا جواهر ومرجانا بديعة الإعجاب ، فتكون مرة سرورا ورضوانا ، وأخرى غموما وأحزانا ، وغبنا وخسرانا ، على أنهم أخيل الناس في بعض ذلك ، يعرفون السحاب الذي يخيل المطر والذي لا يخيله والذي مطره دان ، والذي لم يأن له أن يمطر-إلى غير ذلك من أشياء ذكرها أهل الأدب وحملها أهل اللغة عنهم ، وكل ذلك بتصريف الملائكة عن أمر الله ، ولذلك-والله أعلم- سن أن يقال عند سماع{[7]} الرعد{[8]} : {[9]} سبحان الله{[10]} سبوح قدوس ، بيانا لأن المصرف الحق هو الله تعالى " رب الملائكة " أي الذين أقيموا لهذا " والروح " الذي يحمله هذا الجسم من مطر أو نار أو غيرهما والله الموفق { بسم الله } المحيط بصفات الكمال فهو لا يخلف الميعاد { الرحمن } الذي عم الخلائق بنعمة الإيجاد { الرحيم } الذي خص من اختاره بالتوفيق لما يرضاه من المراد .

لما{[61282]} ختم سبحانه ق بالتذكير بالوعيد ، افتتح هذه بالقسم البالغ على صدقه ، فقال مناسباً {[61283]}بين القسم{[61284]} والمقسم عليه : { والذاريات } أي الرياح التي من شأنها الإطارة والرمي والتفريق والإذهاب ، وأكد ذلك بقوله : { ذرواً * } أي بما تصرفها فيه الملائكة ، قال الأصبهاني : الرياح تحت أجنحة الكروبيين حملة العرش ، فتهيج من ثم فتقع بعجلة الشمس ثم تهيج{[61285]} عن عجلة الشمس فتقع برؤوس الجبال ، ثم من رؤوس الجبال تقع في البر ، فأما الشمال {[61286]}فإنها تمر{[61287]} تحت عدن فتأخذ من عرف طيبها فتمر على أرواح الصديقين ، ثم تأخذ حدها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس ، وتأتي الدبور حدها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل ، وتأتي الجنوب حدها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس ، وتأتي الصبا حدها من مطلع الشمس إلى كرسي بنات نعش ، فلا تدخل هذه في حد هذه ولا هذه في حد هذه-{[61288]} .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[61282]:من مد، وفي الأصل: ولما.
[61283]:من مد، وفي الأصل: للقسم.
[61284]:من مد، وفي الأصل: للقسم.
[61285]:زيد في مد: فتقع.
[61286]:من مد، وفي الأصل: فإن.
[61287]:من مد، وفي الأصل: فإن.
[61288]:زيد من مد.