في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

( كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ) . .

أي مثل ذلك ، وعلى هذا النسق ، وبهذه الطريقة يكون الوحي إليك وإلى الذين من قبلك . فهو كلمات وألفاظ وعبارات مصوغة من الأحرف التي يعرفها الناس ويفهمونها ويدركون معانيها ؛ ولكنهم لا يملكون أن يصوغوا مثلها مما بين أيديهم من أحرف يعرفونها .

ومن الناحية الأخرى تتقرر وحدة الوحي . وحدة مصدره فالموحي هو الله العزيز الحكيم . والموحى إليهم هم الرسل على مدار الزمان . والوحي واحد في جوهره على اختلاف الرسل واختلاف الزمان : ( إليك وإلى الذين من قبلك ) . .

إنها قصة بعيدة البداية ، ضاربة في أطواء الزمان . وسلسلة كثيرة الحلقات ، متشابكة الحلقات . ومنهج ثابت الأصول على تعدد الفروع .

وهذه الحقيقة - على هذا النحو - حين تستقر في ضمائر المؤمنين تشعرهم بأصالة ما هم عليه وثباته ، ووحدة مصدره وطريقه . وتشدهم إلى مصدر هذا الوحي : ( الله العزيز الحكيم ) . . كما تشعرهم بالقرابة بينهم وبين المؤمنين أتباع الوحي في كل زمان ومكان ، فهذه أسرتهم تضرب في بطون التاريخ ، وتمتد جذورها في شعاب الزمن ؛ وتتصل كلها بالله في النهاية ، فيلتقون فيه جميعاً . وهو( العزيز )القوي القادر( الحكيم )الذي يوحي لمن يشاء بما يشاء وفق حكمة وتدبير . فأنى يصرفون عن هذا المنهج الإلهي الواحد الثابت إلى السبل المتفرقة التي لا تؤدي إلى الله ؛ ولا يعرف لها مصدر ، ولا تستقيم على اتجاه قاصد قويم ?

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

1

التفسير :

3- { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم } .

مثلما أوحينا إليك في هذه السورة وغيرها ، أوحينا إلى الذين من قبلك من المرسلين ، مثل نوح وهود وصالح وموسى وعيسى ، فمحمد ليس بدعا من الرسل ، والوحي إليه أصيل وثابت للرسل السابقين عليه ، فالوحي لغة : الإعلام ، وشرعا : إعلام الله تعالى من يختاره من البشر ، ليبلغه بالتشريع والأحكام التي يريد الله أن يبلغها لعباده .

فالموحي هو الله ، والملاك جبريل أمين الوحي ، والوحي هو الرسالة التي ينقلها جبريل عن الله إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وإخوانه السابقين عليه ، ليبلغوها للمرسل إليهم ، والوحي فيه عناية السماء بالأرض ، وتشريف للرسل ، وتشريف لنا نحن المرسل إليهم ، حيث أنزل الله علينا الوحي ، واختار لنا رسولا مبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وجعله الله تعالى خاتم النبيين الذين يوحى إليهم ، فالرسول أعم من النبي ، لأن الرسول يوحى إليه بشرع ويكلف بالتبليغ ، والنبي يوحى إليه بشرع ولا يكلف بالتبليغ ، ومن ثم فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ، فإذا ختم الله النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقد ختم المرسلين أيضا ، فمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وهو أيضا خاتم المرسلين .

وقد قرأ حفص ( خاتَم ) بفتح التاء ، وقرأ الستة الباقون من القراء ( خاتِم ) بكسر التاء .

قال تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما } . ( الأحزاب : 40 ) .

فالوحي شرف للبشرية ، وهداية من السماء ، وعناية عليا من الله بعباده ، حيث يختار بعض خلقه ليحملوا هدى السماء وتشريع الله ، وآداب الوحي ، وأخبار الأمم ، ومعالم القيامة ليوصلوا كل ذلك إلى البشر ، حتى تبلغهم الحجة ، ويصل إليهم الدليل على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .

وفي سورة النساء الآيات ( 163-166 ) يقول تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ( 163 ) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ( 164 ) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 165 ) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ( 166 ) } .

وخلاصة ما تشير إليه الآية الثالثة من سورة الشورى أن الله تعالى ذكر معاني هذه السورة في القرآن الكريم وفي جميع الكتب السماوية ؛ لما فيها من الإرشاد إلى الحق ، وهو { العزيز } . الغالب في انتقامه ، { الحكيم } . في أقواله وأفعاله .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

يبين الله تعالى أن ما جاء في هذه السورة موافقٌ لما في الكتُبِ المنزلة على سائر الرسل ، من الدعوة إلى توحيدِ الله ، والإيمان باليوم الآخر ، وأمرِ النبوة ، والتحلّي بالأخلاق الفاضلة ، والتزهيدِ في جمع حُطام الدنيا ، والعملِ على سعادة الإنسان والمجتمع . وهذا كله إنما يُوحى إليك أيها الرسول الكريم من الله العزيز الحكيم .

قراءات :

قرأ ابن كثير وحده : كذلك يوحى إليك بفتح الحاء . والباقون : يوحي بكسر الحاء .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ يُوحِيٓ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (3)

ولما كانت هذه الحروف - والله أعلم - مشيرة إلى الاجتماع كما أشار إليه آخر السورة الماضية ، قال الله سبحانه وتعالى : { كذلك } أي مثل هذا الإيحاء العظيم الشأن الذي أخبرك به ربك صريحاً أول " فصلت " من أن الإله إله واحد وآخرها من أنه ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ، ومن أنه يجمع لك أمتك على هذا الدين بما يتبين لهم أن هذا القرآن هو الحق بما يريهم من الآيات البينات والدلالات الواضحات في الآفاق وفي أنفسهم وبشهادته سبحانه باعجاز القرآن لجميع الإنس والجان ولا سيما إذا أقدم ضال على معارضته كمسيلمة فإنه يتبين لهم الأمر بذلك غاية البيان " وبضدها تتبين الأشياء " ورمز لك به سبحانه تلويحاً اول هذه السورة بهذه الأحرف المقطعة التي هي أعلى وأغلى من الجواهر المرصعة - إلى مثل ذلك ، فهما نوعان من الوحي : صريح وعبارة ، وتلويح وإشارة .

ولما كان المقصود الإفهام لأن الإيحاء منه سبحانه عادة مستمرة إلى جميع أنبيائه ورسله والبشارة له صلى الله عليه وسلم بتجديده له ، مدة حياته تثبيتاً لفؤاده ، ودلالة على دوام وداده ، عبر بالمضارع الدال على التجدد والاستمرار ، وتقدم في أول البقرة نقلاً عن أبي حيان ومن قبله الزمخشري وغيره أنه قد لا يلاحظ منه زمن معين ، بل يراد مطلق الوجود فقال : { يوحى إليك } أي سابقاً ولاحقاً ما دمت حياً لا يقطع ذلك عنك أصلاً توديعاً ولا قلى بما يريد من أمره مما يعلي لك مقدارك ، وينشر أنوارك ويعلي منارك .

ولما كان الاهتمام بالوحي لمعرفة أنه حق - كما أشارت إليه قراءة ابن كثير بالبناء للمفعول - والموحي إليه لمعرفة أنه رسول حقاً وكان المراد بالمضارع مجرد إيقاع مدلوله لا يفيد الاستقبال صح أن يتعلق به قوله مقدماً على الفاعل : { وإلى الذين } والقائم مقام الفاعل في قراءة ابن كثير ضمير يعود على " كذلك " .

ولما كان الرسل بعض من تقدم في بعض أزمنة القبل ، ادخل الجار فقال : { من قبلك } أي من الرسل الكرام والأنبياء الأعلام ، بأن أمتك أكثر الأمم وأنك أشرف الأنبياء ، وأخذ على كل منهم العهد باتباعك ، وأن يكون من أنصارك وأشياعك . ولما قدم ما هو الأهم من الوحي والموحى إليه ، أتى بفاعل { يوحي } في قراءة العامة فقال : { الله } أي الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال . . وهو مرفوع عند ابن كثير بفعل مضمر تقديره الذي يوحيه . ولما كان نفوذ الأمر دائراً على العزة والحكمة قال : { العزيز } أي الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء { الحكيم * } الذي يضع ما يصنعه في أتقن محاله ، فلأجل ذلك لا يقدر على نقض ما أبرمه ، ولا نقص ما أحكمه .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما تضمنت سورة غافر ما تقدم من بيان حالي المعاندين والجاحدين ، وأعقبت بسورة السجدة بياناً أن حال كفار العرب في ذلك كحال من تقدمه وإيضاحاً لأنه الكتاب العزيز وعظيم برهانه ، ومع ذلك فلم يجد على من قضى عليه تعالى بالكفر ، اتبعت السورتان بما اشتملت عليه سورة الشورى من أن ذلك كله إنما جرى على ما سبق في علمه تعالى بحكم الأزلية { فريق في الجنة وفريق في السعير } { وما أنت عليهم بوكيل } { ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة } ( ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم ) ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) { ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم } { وهو على جمعهم إذا يشاء قدير } { وما أنتم بمعجزين في الأرض } { ومن يضلل الله فما له من سبيل } { إن عليك إلا البلاغ } { نهدي به من نشاء من عبادنا } فتأمل هذه وما التحم بها مما لم يجر في السورة المتقدمة منه إلا النادر ، ومحكم ما استجره ، وبناء هذه السورة على ذلك ومدار آيها ، يلح لك وجه اتصالها بما قبلها والتحامها بما جاورها .