في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (9)

وهنا يلتفت إلى الذين آمنوا ، يخاطبهم بهذا النداء : يا أيها الذين آمنوا لينهاهم عن التناجي بما يتناجى به المنافقون من الإثم والعدوان ومعصية الرسول ، ويذكرهم تقوى الله ، ويبين لهم أن النجوى على هذا النحو هي من إيحاء الشيطان ليحزن الذين آمنوا ، فليست تليق بالمؤمنين :

( يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، وتناجوا بالبر والتقوى ، واتقوا الله الذي إليه تحشرون . إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .

ويبدو أن بعض المسلمين ممن لم تنطبع نفوسهم بعد بحاسة التنظيم الإسلامي ، كانوا يتجمعون عندما تحزب الأمور ، ليتناجوا فيما بينهم ويتشاوروا بعيدا عن قيادتهم . الأمر الذي لا تقره طبيعة الجماعة الإسلامية ، وروح التنظيم الإسلامي ، التي تقتضي عرض كل رأي وكل فكرة وكل اقتراح على القيادة ابتداء ، وعدم التجمعات الجانبية في الجماعة . كما يبدو أن بعض هذه التجمعات كان يدور فيها ما قد يؤدي إلى البلبلة ، وما يؤذي الجماعة المسلمة - ولو لم يكن قصد الإيذاء قائما في نفوس المتناجين - ولكن مجرد إثارتهم للمسائل الجارية وإبداء الآراء فيها على غير علم ، قد يؤدي إلى الإيذاء ، وإلى عدم الطاعة .

وهنا يناديهم الله بصفتهم التي تربطهم به ، وتجعل للنداء وقعه وتأثيره : يا أيها الذين آمنوا . . لينهاهم عن التناجي - إذا تناجوا - بالإثم والعدوان ومعصية الرسول . ويبين لهم ما يليق بهم من الموضوعات التي يتناجى بها المؤمنون : ( وتناجوا بالبر والتقوى ) . . لتدبير وسائلهما وتحقيق مدلولهما . والبر : الخير عامة . والتقوى : اليقظة والرقابة لله سبحانه ، وهي لا توحي إلا بالخير . ويذكرهم بمخافة الله الذي يحشرون إليه ، فيحاسبهم بما كسبوا . وهو شاهده ومحصيه . مهما ستروه وأخفوه .

قال الإمام أحمد : حدثنا بهز وعفان ، قالا : أخبرنا همام ، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، قال : كنت آخذا بيد ابن عمر ، إذ عرض له رجل ، فقال : كيف سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول في النجوى يوم القيامة ? قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " إن الله يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ، ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، ويقول له : أتعرف ذنب كذا ? أتعرف ذنب كذا ? أتعرف ذنب كذا ? حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته . وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين " .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (9)

8

التفسير :

9- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .

يؤدب الله المسلمين بذلك الأدب الإلهي الذي يجعل المسلم مراقبا لله في السر والنجوى ، فينادي الله المؤمنين بأن يكون تناجيهم الخافت وحديثهم الخاص مخالفا لمناجاة اليهود والمنافقين .

{ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ . . . }

وفيه تربية وتعريض باليهود والمنافقين .

{ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى . . . }

أي : لا تتناجوا بالشر والعدوان على الغير ، أو السوء والكيد ، أو مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل عليكم بالتناجي بالخير والعفاف ، والطاعة والتقوى ، والبعد عما نهى الله عنه .

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .

وراقبوا الله الذي يراكم ، ويطلع على مناجاتكم ، ولا تخفى عليه خافية من شئونكم ، ثم يحاسبكم عند الحشر والجزاء يوم تحشرون وترجعون إليه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (9)

ثم أمر الله عباده المؤمنين أن لا يكونوا مثلَ اليهود المنافقين في التناجي بالإثم والعدوان ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَةِ الرسول } .

يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كاليهودِ والمنافقين في تناجِيكم بينكم ، فإذا حدث تناجٍ أو مسارّة في اجتماعاتكم فلا تفعلوا مثل ما يفعلون .

{ وَتَنَاجَوْاْ بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ، تناجَوا أنتم بما هو خير ينفع المؤمنين ، واتقوا الله فيما تأتون وتذَرون ، فإليه تحشَرون فيخبركم بجميع أعمالكم وأقوالكم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (9)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم } نهى المؤمنين أن يتناجوا فيما بينهم كفعل المنافقين واليهود فقال :{ يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم } أي تساررتم . { فلا تتناجوا } هذه قراءة العامة . وقرأ يحيى بن وثاب وعاصم ورويس عن يعقوب{ فلا تنتجوا } من الانتجاء { وتناجوا بالبر } أي بالطاعة { والتقوى } بالعفاف عما نهى الله عنه . وقيل : الخطاب للمنافقين ، أي يا أيها الذين آمنوا بزعمهم . وقيل : أي يا أيها الذين آمنوا بموسى . { الذي إليه تحشرون }أي تجمعون في الآخرة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (9)

ولما نهى عن النجوى وذم على فعلها وتوعد عليه فكان ذلك موضع أن يظن أن النهي عام لكل نجوى وإن كانت بالخير ، استأنف قوله{[63284]} منادياً بالأداة التي لا يكون ما بعدها له وقع عظيم ، معبراً بأول أسنان{[63285]} الإيمان باقتضاء الحال له : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة ، { إذا تناجيتم } أي قلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه{[63286]} وكشفه لصاحبه سراً ، { فلا تتناجوا } أي توجدوا هذه الحقيقة ظاهرة كتناجي المنافقين ، { بالإثم } أي الذنب وكل فعل يكتب بسببه عقوبة .

ولما عم خص فقال : { والعدوان } أي الذي هو العدو الشديد بما يؤذي وإن كان العادي يظن أنه لا يكتب عليه به إثم . ولما كان السياق لإجلال{[63287]} النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لا تعرف حقيقة الإثم إلا منه قال تعالى : { ومعصيت الرسول } أي الكامل في الرسلية{[63288]} فإن ذلك يشوش فكره فلا يدعه يبلغ رسالات ربه وهو منشرح{[63289]} الصدر طيب النفس .

ولما علم أن نهيهم إنما هو عن شر يفسد{[63290]} ذات البين وهو ما لا يريدون إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم عليه{[63291]} ، صرح بقوله حثاً على إصلاح ذات البين لأن خير الأمور ما عاد بإصلاحها ، وشر الأمور ما عاد{[63292]} بإفسادها . { وتناجوا بالبر } أي بالخير الواسع الذي فيه حسن{[63293]} التربية ، ولما كان ذلك قد يعمل طبعاً ، حث على القصد الصالح بقوله :{ والتقوى } وهي{[63294]} ما يكون في نفسه ظاهراً أنه يكون سترة تقي من عذاب الله بأن يكون مرضياً لله ولرسوله .

ولما كانت التقوى أم المحاسن ، أكدها ونبه عليها بقوله :{ واتقوا الله } أي اقصدوا قصداً يتبعه العمل أن تجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية . ولما كانت ذكرى{[63295]} الآخرة هي مجمع المخاوف ولا سيما فضائح الأسرار على رؤوس الأشهاد قال :{ الذي إليه } أي خاصة { تحشرون * } أي تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره ، وهو يوم القيامة ، فيتجلى فيه سبحانه للحكم بين الخلق والإنصاف بينهم بالعدل ومحاسبتهم على النقير والقطمير{[63296]} لا تخفى عليه خافية ولا تقي منه واقية تنكشف فيه سرادقات{[63297]} العظمة ، ويظهر ظهوراً{[63298]} تاماً نفوذ الكلمة ، ويتجلى في مجالي العز سطوات القهر ، وتنبث{[63299]} لوامع الكبر ، فإذا فعلتم ذلك مستحضرين لذلك لم تقدموا على شيء تريدون إخفاءه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون ذلك أقر لعينه وأطهر لكم .


[63284]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[63285]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[63286]:- من ظ وم، وفي الأصل: فرفعوا.
[63287]:- من ظ وم، وفي الأصل: لأجل.
[63288]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرسالة.
[63289]:- في ظ: مفتوح.
[63290]:- من ظ وم، وفي الأصل: يفيد.
[63291]:- زيد من م.
[63292]:- زيد من م.
[63293]:- زيد من ظ و م.
[63294]:- من ظ، وم، وفي الأصل: هو.
[63295]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذكر.
[63296]:- زيد في الأصل: الفتيل، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[63297]:- من ظ وم، وفي الأصل: مراودات. من م، وفي الأصل وظ: تثبت.
[63298]:- من ظ وم.
[63299]:- من م، وفي الأصل وظ: تثبت.