مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (9)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى } .

اعلم أن المخاطبين بقوله : { يا أيها الذين آمنوا } قولين ، وذلك لأنا إن حملنا قوله فيما تقدم : { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى } على اليهود حملنا في هذه الآية قوله : { يا أيها الذين آمنوا } على المنافقين ، أي يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ، وإن حملنا ذلك على جميع الكفار من اليهود والمنافقين ، حملنا هذا على المؤمنين ، وذلك لأنه تعالى لما ذم اليهود والمنافقين على التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، أتبعه بأن نهى أصحابه المؤمنين أن يسلكوا مثل طريقتهم ، فقال : { لا تتناجوا بالإثم } وهو ما يقبح مما يخصهم { والعدوان } وهو يؤدي إلى ظلم الغير { ومعصية الرسول } وهو ما يكون خلافا عليه ، وأمرهم أن يتناجوا بالبر الذي يضاد العدوان وبالتقوى وهو ما يتقي به من النار من فعل الطاعات وترك المعاصي ، واعلم أن القوم متى تناجوا بما هذه صفته قلت : مناجاتهم ، لأن ما يدعو إلى مثل هذا الكلام يدعو إظهاره ، وذلك يقرب من قوله : { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } وأيضا فمتى عرفت طريقة الرجل في هذه المناجاة لم يتأذ من مناجاته أحد .

ثم قال تعالى : { واتقوا الله الذي إليه تحشرون } أي إلى حيث يحاسب ويجازي وإلا فالمكان لا يجوز على الله تعالى .