محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (9)

ثم نهى تعالى المؤمنين وحذرهم أن يجترموا في النجوى ما اجترمه أولئك بقوله :

9 { يأيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون } .

{ يأيها الذين ءامنوا إذا تنجايتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر } أي بطاعة الله وما يقربكم منه ، { والتقوى } أي اجتناب ما يؤثم { واتقوا الله الذي إليه تحشرون } أي فيجزيكم بما اكتسبتم مما أحصاه عليكم .

ثم شجع تعالى المؤمنين في قلة المبالاة بمناجاة أعدائهم وأنها لا تضرهم ما داموا مثابرين على وصاياه متكلين عليه بقوله { إنما النجوى من الشيطان } أي النجوى التي ذمها فاللام للعهد ، أي المزين لهذه النجوى بالشر والحامل عليها الشيطان { ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم } أي الشيطان أو التناجي المذكور { شيئا إلا بإذن الله } أي بمشيئته { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي بالمضي في سبيله والاستقامة على أمره وانتظار النصر على أثره .

/لطيفة : قال القاشاني : إنما نهوا عن النجوى لأن التناجي اتصال واتحاد بين اثنين في أمر يختص بهما لا يشاركهما فيه ثالث ، وللنفوس عند الاجتماع والاتصال تعاضد وتظاهر يتقوى ويتأيد بعضها بالبعض فيما هو سبب الاجتماع لخاصية الهيأة الاجتماعية التي لا توجد في الأفراد ، فإذا كانت شريرة يتناجون في الشر ويزاد فيهم الشر ويقوى فيهم المعنى الذي يتناجون به بالاتصال والاجتماع ، ولهذا ورد بعد النهي قوله{ ويتناجون بالإثم } الذي هو رذيلة القوى البهيمية { والعدوان } الذي هو رذيلة القوى الغضبية { ومعصيات الرسول } التي هي رذيلة القوة النطقية بالجهل وغلبة الشيطنة ، ألا ترى كيف نهى المؤمنين بعد هذه الآية عن التناجي بهذه الرذائل المذكورة ، وأمرهم بالتناجي بالخيرات ليتقووا بالهيأة الاجتماعية ويزدادوا فيها فقال وتناجوا بالبر أي الفضائل التي هي أضداد تلك الرذائل من الصالحات والحسنات المخصوصة بكل واحدة ، من القوى الثلاث ، { والتقوى } أي الاجتناب عن أجناس الرذائل المذكورة انتهى .

قال ابن كثير وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ على مؤمن ، روى الإمام أحمد{[7005]} عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ثلاثة ، فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه " أخرجاه . {[7006]}

وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ثلاثة ، فلا يتناج اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه " انفرد بإخراجه مسلم . {[7007]}


[7005]:اخرجه في مسنده بالصفحة رقم 375 من الجزء الأول (طبعة الحلبي) والحديث رقم 3560 (طبعة المعارف).
[7006]:أخرجه البخاري في 79- كتاب الاستئذان، 46- باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمساواة والمناجاة حديث رقم 2381. وأخرجه مسلم في 39- كتاب السلام حديث رقم 37 (طبعتنا).
[7007]:اخرجه مسلم في 39- كتاب السلام، حديث رقم 36 (طبعتنا).