نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَنَٰجَيۡتُمۡ فَلَا تَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَٰجَوۡاْ بِٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (9)

ولما نهى عن النجوى وذم على فعلها وتوعد عليه فكان ذلك موضع أن يظن أن النهي عام لكل نجوى وإن كانت بالخير ، استأنف قوله{[63284]} منادياً بالأداة التي لا يكون ما بعدها له وقع عظيم ، معبراً بأول أسنان{[63285]} الإيمان باقتضاء الحال له : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة ، { إذا تناجيتم } أي قلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه{[63286]} وكشفه لصاحبه سراً ، { فلا تتناجوا } أي توجدوا هذه الحقيقة ظاهرة كتناجي المنافقين ، { بالإثم } أي الذنب وكل فعل يكتب بسببه عقوبة .

ولما عم خص فقال : { والعدوان } أي الذي هو العدو الشديد بما يؤذي وإن كان العادي يظن أنه لا يكتب عليه به إثم . ولما كان السياق لإجلال{[63287]} النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لا تعرف حقيقة الإثم إلا منه قال تعالى : { ومعصيت الرسول } أي الكامل في الرسلية{[63288]} فإن ذلك يشوش فكره فلا يدعه يبلغ رسالات ربه وهو منشرح{[63289]} الصدر طيب النفس .

ولما علم أن نهيهم إنما هو عن شر يفسد{[63290]} ذات البين وهو ما لا يريدون إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم عليه{[63291]} ، صرح بقوله حثاً على إصلاح ذات البين لأن خير الأمور ما عاد بإصلاحها ، وشر الأمور ما عاد{[63292]} بإفسادها . { وتناجوا بالبر } أي بالخير الواسع الذي فيه حسن{[63293]} التربية ، ولما كان ذلك قد يعمل طبعاً ، حث على القصد الصالح بقوله :{ والتقوى } وهي{[63294]} ما يكون في نفسه ظاهراً أنه يكون سترة تقي من عذاب الله بأن يكون مرضياً لله ولرسوله .

ولما كانت التقوى أم المحاسن ، أكدها ونبه عليها بقوله :{ واتقوا الله } أي اقصدوا قصداً يتبعه العمل أن تجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية . ولما كانت ذكرى{[63295]} الآخرة هي مجمع المخاوف ولا سيما فضائح الأسرار على رؤوس الأشهاد قال :{ الذي إليه } أي خاصة { تحشرون * } أي تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره ، وهو يوم القيامة ، فيتجلى فيه سبحانه للحكم بين الخلق والإنصاف بينهم بالعدل ومحاسبتهم على النقير والقطمير{[63296]} لا تخفى عليه خافية ولا تقي منه واقية تنكشف فيه سرادقات{[63297]} العظمة ، ويظهر ظهوراً{[63298]} تاماً نفوذ الكلمة ، ويتجلى في مجالي العز سطوات القهر ، وتنبث{[63299]} لوامع الكبر ، فإذا فعلتم ذلك مستحضرين لذلك لم تقدموا على شيء تريدون إخفاءه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون ذلك أقر لعينه وأطهر لكم .


[63284]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[63285]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[63286]:- من ظ وم، وفي الأصل: فرفعوا.
[63287]:- من ظ وم، وفي الأصل: لأجل.
[63288]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرسالة.
[63289]:- في ظ: مفتوح.
[63290]:- من ظ وم، وفي الأصل: يفيد.
[63291]:- زيد من م.
[63292]:- زيد من م.
[63293]:- زيد من ظ و م.
[63294]:- من ظ، وم، وفي الأصل: هو.
[63295]:- من ظ وم، وفي الأصل: ذكر.
[63296]:- زيد في الأصل: الفتيل، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[63297]:- من ظ وم، وفي الأصل: مراودات. من م، وفي الأصل وظ: تثبت.
[63298]:- من ظ وم.
[63299]:- من م، وفي الأصل وظ: تثبت.