ويعقب عليه بتحذير من الشرك . يبدأ أول ما يبدأ بالأنبياء والمرسلين . وهم - صلوات الله عليهم - لا يتطرق إلى قلوبهم طائف الشرك أبداً . ولكن التحذير هنا ينبه سواهم من أقوامهم إلى تفرد ذات الله سبحانه في مقام العبادة ، وتوحد البشر في مقام العبودية ، بما فيهم الأنبياء والمرسلون :
( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك : لئن أشركت ليحبطن عملك ، ولتكونن من الخاسرين ) . .
ليحبطن عملك : ليبطلن وليفسدن .
65- { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكوننّ من الخاسرين } .
يتفرد الله تعالى بالألوهية ، ويتصف كل ما سواه بالعبودية ، وقد أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلى سائر الرسل بأن الشرك إذا استمر إلى الوفاة ، يترتب عليه إحباط الأعمال السابقة ، فإذا تاب المشرك مخلصا تاب الله عليه .
قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . ( البقرة : 217 ) .
والشرك لا يتوقع ولا ينتظر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من إخوانه المرسلين ، فقد اصطفاهم الله واختارهم لهذه المهمة الجليلة ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، ولكن إذا صدر الشرك من المرسلين على سبيل الفرض أو الاحتمال ، لكان ذلك سببّا في إحباط العمل من المرسلين ، فمن باب أولى أن الشرك محبط العمل من سائر الخلق أجمعين .
قال تعالى : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } . ( الأنعام : 88 ) .
روى عن ابن عباس : أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزوجوه ما يشاء من النّساء ، ويعطوه ما يريد ، وقالوا : هذا لك يا محمد ، وتكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء ، قال : " حتى أنظر ما يأتيني من ربّي فنزل : { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون } . إلى آخر السورة ونزل : { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون * ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } .
وعن ابن عباس أيضا : أن المشركين من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة آلهتهم ، وهم يعبدون معه إلهه ، فنزلت هذه الآيات .
وذلك لأن الشرك باللّه محبط للأعمال ، مفسد للأحوال ، ولهذا قال : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ } من جميع الأنبياء . { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } هذا مفرد مضاف ، يعم كل عمل ، . ففي نبوة جميع الأنبياء ، أن الشرك محبط لجميع الأعمال ، كما قال تعالى في سورة الأنعام - لما عدد كثيرا من أنبيائه ورسله قال عنهم : { ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
{ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } دينك وآخرتك ، فبالشرك تحبط الأعمال ، ويستحق العقاب والنكال .
{ لئن أشركت ليحبطن عملك } دليل على إحباط عمل المرتد مطلقا خلافا للشافعي في قوله لا يحبط عمله إلا إذا مات على الكفر فإن قيل : الموحى إليهم جماعة والخطاب بقوله : { لئن أشركت } لواحد : فالجواب : أنه أوحى إلى كل واحد منهم على حدته ، فإن قيل : كيف خوطب الأنبياء بذلك وهم معصومون من الشرك ، فالجواب أن ذلك على الفرض ، والتقدير أي : لو وقع منهم شرك لحبطت أعمالهم لكنهم لم يقع منهم شرك بسبب العصمة ويحتمل أن يكون الخطاب لغيرهم وخوطبوا هم ليدل المعنى على غيرهم بالطريق الأولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.