وعلى الضفة الأخرى يقف الناجون ، الذين خافوا هذا المصير المشؤوم :
والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى . فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله . وأولئك هم أولو الألباب . .
والطاغوت صياغة من الطغيان ؛ نحو ملكوت وعظموت ورحموت . تفيد المبالغة والضخامة . والطاغوت كل ما طغا وتجاوز الحد . والذين اجتنبوا عبادتها هم الذين اجتنبوا عبادة غير المعبود في أية صورة من صور العبادة . وهم الذين أنابوا إلى ربهم . وعادوا إليه ، ووقفوا في مقام العبودية له وحده .
هؤلاء ( لهم البشرى )صادرة إليهم من الملأ الأعلى . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يبلغها لهم بأمر الله : ( فبشر عباد ) . . إنها البشرى العلوية يحملها إليهم رسول كريم . وهذا وحده نعيم !
{ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد ( 17 ) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ( 18 ) أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ( 19 ) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبينة تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد ( 20 ) }
الطاغوت : الأوثان والمعبودات الباطلة ، والمراد به : الشيطان .
وأنابوا إلى الله : رجعوا إليه وتابوا .
البشرى : الثواب على ألسنة الرسل أو الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون ، والبشرى اسم لما يُعطاه المبشر .
17- { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد } .
من شأن القرآن أن يقابل بين عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنة ، وقد تحدث فيما سبق عن الخاسرين وعذابهم في النار ، وهنا يتحدث عن الذين أقبلوا على الله تعالى ، وابتعدوا عن عبادة الأوثان والأصنام ، وطاعة الشيطان ، فقال : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها . . . }
أي : ابتعدوا عن عبادة الأوثان والأصنام ، وعن طاعة الشيطان .
ورجعوا إلى الله مؤمنين قانتين ، هؤلاء يستحقون النجاة والفوز والبشارة بالجنة .
أي : يبشرهم القرآن بالثواب الجزيل ، ورضوان الله عليهم في الدنيا ، والنعيم في الآخرة .
وقيل : البشرى هي أن الملائكة تنزل عليهم عند الموت ، تبشرهم بأن الله تعالى سيحفظهم في ذرّيتهم فلا يخافون عليهم ، وسييسر لهم دخول الجنة ، ونعيم القبر .
قال تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم } . ( فصلت : 30-32 ) .
أن الملائكة تنزل على المؤمنين عند خروج الروح ، فتبشرهم بأن الله يحفظهم في ذريّاتهم ، فلا يخافون عليهم ، وتبشّرهم بنعيم القبر ونعيم الجنة ، وبولاية الله لهم في الدنيا وفي الآخرة .
نزلت الآية السابعة عشرة من سورة الزُّمَر في عثمان ، وعبد الرحمان بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة ، والزبير ، رضي الله عنهم ، سألوا أبا بكر رضي الله عنه فأخبرهم بإيمانه ، وذكّرهم بالله فآمنوا .
وقيل : نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، كانوا يقولون في الجاهلية : ( لا إله إلا الله ) ، لكن علماء القرآن يقولون : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، أي أننا لا نقصر الآيات على هؤلاء الأشخاص ، بل نقول : كل من هجر عبادة الأوثان ، وابتعد عن السير وراء الطاغوت والطغيان ، وأطاع الله وحده لا شريك له ، منيبّا إلى الله تعالى ، يستحق البشرى بالأخبار السّارة ، فبشر أيها الرسول عبادي المؤمنين .
قوله تعالى : " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها " قال الأخفش : الطاغوت جمع ويجوز أن تكون واحدة مؤنثة . وقد تقدم . أي تباعدوا من الطاغوت وكانوا منها على جانب فلم يعبدوها . قال مجاهد وابن زيد : هو الشيطان . وقال الضحاك والسدي : هو الأوثان . وقيل : إنه الكاهن . وقيل إنه اسم أعجمي مثل طالوت وجالوت وهاروت وماروت . وقيل : إنه اسم عربي مشتق من الطغيان ، و " أن " في موضع نصب بدلا من الطاغوت . تقديره : والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت . " وأنابوا إلى الله " أي رجعوا إلى عبادته وطاعته . " لهم البشرى فبشر عباد " " لهم البشرى " في الحياة الدنيا بالجنة في العقبى . روي أنها نزلت في عثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير رضي الله عنهم ، سألوا أبا بكر رضي الله عنه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا . وقيل : نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وغيرهما ممن وحد الله تعالى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم .
ولما ذكر ما لمن عبد الطاغوت ، عطف عليه أضدادهم ليقترن الوعد بالوعيد ، فيحصل كمال الترغيب والترهيب فقال : { والذين اجتنبوا } أي كلفوا أنفسهم ذلك لما لها في الانسياق إليه من الهوى مع تزيين الشيطان " حفت النار بالشهوات " ولما كان للإجمال ثم البيان موقع عظيم ، قال : { الطاغوت } وهو كل ما عبد من دون الله ، فلغوت من الطغيان وهو صيغة مبالغة ، وفيه مبالغة أخرى بجعل الذات عين المعنى ، ودل على عكس من تبعها بتعكيس حروفها ، ولما ذكر اجتنابها مطلقاً ترغيباً فيه ، بين خلاصة ما يجتنب لأجله مع التنفير منها بتأنيثها الذي أبصره المنيبون بتقوية الله لهم عليها حتى كانوا ذكراناً وهم إناثاً عكس ما تقدم للكفار في البقرة ، فقال مبدلاً منها بدل اشتمال : { أن يعبدوها } .
ولما ذكر اجتناب الشرك ، أتبعه التزام التوحيد فقال : { وأنابوا } أي رجعوا رجوعاً عظيماً أزالوا فيه النوبة وجعلوها إقبالة واحدة لا صرف فيها { إلى الله } أي المحيط بصفات الكمال فلا معدل عنه { لهم البشرى } في الدنيا على ألسنة الرسل وعند الموت تتلقاهم الملائكة فقد ربحوا ربحاً لا خسارة معه لأنهم انتفعوا بكلام الله فأخلصوا دينهم له فبشرهم - هكذا كان الأصل ، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً بالوصف فقال مسبباً عن عملهم ، صارفاً القول إلى التكلم بالإفراد تشريفاً للمبشرين الموصوفين : { فبشر عباد * } أي الذين أهلوا أنفسهم بقصر هممهم عليّ للإضافة إليّ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.