التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا وَأَنَابُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰۚ فَبَشِّرۡ عِبَادِ} (17)

الطاغوت : الراجح أنها صيغة مبالغة من الطغيان على وزن جبروت وملكوت . واستعملت في القرآن في معان متعددة متقاربة حيث استعملت في معنى الأصنام وفي معنى الشرك وفي معنى الشيطان وإبليس وفي معنى الشخص الشديد الكفر والبغي . والجامع في هذه المعاني شدة الطغيان والبغي والشر وأسبابها .

ولقد روي أن الآية [ 17 ] نزلت في إسلام عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد الذي تم على يد أبي بكر ، كما روي أنها نزلت في زيد بن عمرو وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي رضي الله عنهم جميعا ، ويلحظ أن الآية منسجمة مع السياق قبلها وبعدها انسجاما تاما ، وأن معظم الذين ذكرت الرواية أسماءهم أسلموا منذ عهد مبكر ، ومنهم من أسلم في العهد المدني مثل أبي ذر وسلمان في بعض الروايات . على أن هناك من قال إنها بقصد التنويه بالمؤمنين بصورة عامة . وهو الأوجه لاسيما أنه لم يرو أحد أنها نزلت لحدتها وإنما هي من سلسلة تامة متصلة السياق بما قبلها وما بعدها على ما هو المتبادر .

ولقد روى البغوي بطرقه في سياق الآية الأخيرة حديثا عن أبي سعيد الخدري قال : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغهم غيرهم ؟ قال : بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ) . وأورد ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن علي قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة غرفا يرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها . فقال أعرابي : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام ) . وصيغة أخرى لهذا الحديث رواها الإمام أحمد أيضا عن مالك الأشعري قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى والناس نيام ) . حيث ينطوي في الأحاديث صورة مما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلق به على الآيات القرآنية على سبيل التبشير والتشويق والتوضيح .