في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ} (65)

57

ولكن الذين جاءوا من بعده اختلفوا أحزاباً كما كان الذين من قبله مختلفين أحزاباً . اختلفوا ظالمين لا حجة لهم ولا شبهة : ( فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ) . .

لقد كانت رسالة عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ؛ وكانوا ينتظرونه ليخلصهم مما كانوا فيه من الذل تحت حكم الرومان ؛ وقد طال انتظارهم له ، فلما جاءهم نكروه وشاقوه ، وهموا أن يصلبوه !

ولقد جاء المسيح فوجدهم شيعاً ونحلا كثيرة ، أهمها أربع فرق أو طوائف .

طائفة الصدوقيين نسبة إلى " صدوق " وإليه وإلى أسرته ولاية الكهانة من عهد داود وسليمان . وحسب الشريعة لا بد أن يرجع نسبه إلى هارون أخي موسى . فقد كانت ذريته هي القائمة على الهيكل . وكانوا بحكم وظيفتهم واحترافهم متشددين في شكليات العبادة وطقوسها ، ينكرون " البدع " في الوقت الذي يترخصون في حياتهم الشخصية ويستمتعون بملاذ الحياة ؛ ولا يعترفون بان هناك قيامة !

وطائفة الفريسيين ، وكانوا على شقاق مع الصدوقيين . ينكرون عليهم تشددهم في الطقوس والشكليات ، وجحدهم للبعث والحساب . والسمة الغالبة على الفريسيين هي الزهد والتصوف وإن كان في بعضهم اعتزاز وتعال بالعلم والمعرفة . وكان المسيح - عليه السلام - ينكر عليهم هذه الخيلاء وشقشقة اللسان !

وطائفة السامريين ، وكانوا خليطاً من اليهود والأشوريين ، وتدين بالكتب الخمسة في العهد القديم المعروفة بالكتب الموسوية ، وتنفي ما عداها مما أضيف إلى هذه الكتب في العهود المتأخرة ، مما يعتقد غيرهم بقداسته .

وطائفة الآسين أو الأسينيين . وكانوا متأثرين ببعض المذاهب الفلسفية ، وكانوا يعيشون في عزلة عن بقية طوائف اليهود ، ويأخذون أنفسهم بالشدة والتقشف ، كما يأخذون جماعتهم بالشدة في التنظيم .

وهناك غير هذه الطوائف نحل شتى فردية ، وبلبلة في الاعتقاد والتقاليد بين بني إسرائيل ، الراضخين لضغط الإمبراطورية الرومانية المستذلين المكبوتين ، الذين ينتظرون الخلاص على يد المخلص المنتظر من الجميع .

فلما أن جاء المسيح - عليه السلام - بالتوحيد الذي أعلنه : ( إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ) . وجاء معه بشريعة التسامح والتهذيب الروحي والعناية بالقلب البشري قبل الشكليات والطقوس ، حاربه المحترفون الذين يقومون على مجرد الأشكال والطقوس .

ومما يؤثر عنه - عليه السلام - في هذا قوله عن هؤلاء : " إنهم يحزمون الأوقار ، ويسومون الناس أن يحملوها على عواتقهم ، ولا يمدون إليها إصبعاً يزحزحونها ، وإنما يعملون عملهم كله لينظر الناس إليهم ! يعرضون عصائبهم ، ويطيلون أهداب ثيابهم ، ويستأثرون بالمتكأ الأول في الولائم ، والمجالس الأولى في المجامع ، ويبتغون التحيات في الأسواق . وأن يقال لهم : سيدي . سيدي . حيث يذهبون ! " . .

أو يخاطب هؤلاء فيقول : " أيها القادة العميان الذين يحاسبون على البعوضة ويبتلعون الجمل . . إنكم تنقون ظاهر الكأس والصحفة ، وهما في الباطن مترعان بالرجس والدعارة . . ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون . إنكم كالقبور المبيضة . خارجها طلاء جميل وداخلها عظام نخرة " . .

وإن الإنسان - وهو يقرأ هذه الكلمات المأثورة عن المسيح - عليه السلام - وغيرها في بابها - ليكاد يتصور رجال الدين المحترفين في زماننا هذا . فهو طابع واحد مكرر . لهؤلاء الرسميين المحترفين من رجال الدين ، الذين يراهم الناس في كل حين !

ثم ذهب المسيح عليه السلام إلى ربه ، فاختلف أتباعه من بعده . اختلفوا شيعاً وأحزاباً . بعضها يؤلهه . وبعضها ينسب لله سبحانه بنوته . وبعضها يجعل الله ثالث ثلاثة أحدها المسيح ابن مريم . وضاعت كلمة التوحيد الخالصة التي جاء بها عيسى عليه السلام . وضاعت دعوته الناس ليلجأوا إلى ربهم ويعبدوه مخلصين له الدين .

( فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ) . .

ثم جاء مشركو العرب يحاجون رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في عيسى - عليه السلام - بما فعلته الأحزاب المختلفة من بعده ، وما أحدثته حوله من أساطير !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ} (65)

57

المفردات :

اختلف الأحزاب : تفرقوا فرقا متحزبة .

التفسير :

65- { فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم } .

قال ابن كثير :

أي : اختلفت الفرق وصاروا شيعا فيه ، منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله وهو الحق ، ومنهم من يدعي أنه ولد الله ، ومنهم من يدعي أنه الله ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا . اه .

{ فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم } .

أي : إن عيسى عبد الله ورسوله ، فمن زعم أنه إله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة هم الأب والابن وروح القدس ، فإنه ظالم معتد ، وهلاك له في عذاب يوم القيامة .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ} (65)

{ فاختلف الأحزاب } الآية مفسرة في سورة مريم

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ} (65)

قوله تعالى : " فاختلف الأحزاب من بينهم " قال قتادة : يعني ما بينهم ، وفيهم قولان : أحدهما : أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، خالف بعضهم بعضا ، قاله مجاهد والسدي . الثاني : فرق النصارى من النسطورية والملكية واليعاقبة ، اختلفوا في عيسى ، فقالت النسطورية : هو ابن الله . وقالت اليعاقبة : هو الله . وقالت الملكية : ثالث ثلاثة أحدهم الله . قاله الكلبي ومقاتل ، وقد مضى هذا في سورة " مريم " {[13667]} . " فويل للذين ظلموا " أي كفروا وأشركوا ؛ كما في سورة " مريم " {[13668]} . " من عذاب يوم أليم " أي أليم عذابه ، مثله : ليل نائم ، أي ينام فيه .


[13667]:راجع ج 11 ص 106، 108.
[13668]:راجع ج 11 ص 106، 108.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ} (65)

ولما كان الطريق الواضح القديم موجباً للاجتماع عليه ، والوفاق عند سلوكه ، بين أنهم سببوا عنه بهذا الوعظ غير ما يليق بهما بقوله : { فاختلف } وبين أنهم أكثروا الاختلاف بقوله : { الأحزاب } أي أنهم لم يكونوا فرقتين فقط ، بل فرقاً كثيرة . ولما كانت العادة أن يكون الخلاف بين أمتين وقبيلتين ونحو ذلك ، وكان اختلاف الفرقة الواحدة عجباً ، بين أنهم من أهل القسم فقال : { من بينهم } أي اختلافاً ناشئاً ابتدأ من بين بني إسرائيل الذين جعلناهم مثلاً لهم : وقال لهم : قد جئتكم بالحكمة ، فسبب عن اختلافهم قوله : { فويل } وكان أن يقال : لهم ، ولكنه ذكر الوصف الموجب للويل تعميماً وتعليقاً للحكم به . ولما كان في سياق الحكمة ، وهي وضع الشيء في أتقن مواضعه ، جعل الوصف الظلم الذي أدى إليه الاختلاف فقال : { للذين ظلموا } أي وضعوا الشيء في غير موضعه مضادة لما أتاهم صلى الله عليه وسلم به من الحكمة { من عذاب يوم أليم } أي مؤلم ، وإذا كان اليوم مؤلماً فما الظن بعذابه .