تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱخۡتَلَفَ ٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ} (65)

الآية 65 وقوله تعالى : { فاختلف الأحزاب من بينهم } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون حرف { من } صلة زائدة ، ومعناه : اختلف الأحزاب بينهم . والاختلاف في ما بينهم في عيسى أمر ظاهر بيّن{[19015]} .

والثاني : { فاختلف الأحزاب من بينهم } أي اختلف الأحزاب من اختراع كان منهم في ما بينهم ، أو كلام نحوه . ولذلك كان باختراع من ذات أنفسهم ، لا أن كان ذلك سماعا من الرسل عليهم السلام ولذلك نهى هذه الأمة عن الاختلاف والتفرّق حين{[19016]} قال : { ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } [ آل عمران : 105 ] .

وقد اختلفت هذه الأمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على ذلك ، واتّبعه سائر الصحابة على ذلك حتى قُتل{[19017]} الرجال ، وسُبي النساء والذّراري ، وظهرت أيضا الخوارج في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ذلك حتى اجتمعوا على الوفاق .

وغير ذلك من الاختلاف والتفرّق الذي كان ظهر ، ووقع في ما بينهم ؛ وكان في ذلك دلالة الرسالة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذكر عز وجل في كتابه أنهم يختلفون بعد وفاته وأنهم ينقلبون على أعقابهم حين{[19018]} قال : { أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم } الآية [ آل عمران : 144 ] وقال في ارتدادهم : { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه } [ المائدة : 54 ] هذا في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وقال في عليّ ، كرّم الله وجهه : { إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا } الآية [ المائدة : 55 ] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقاتل هذا بالتأويل كما نقاتل نحن على التنزيل ) يعني عليا رضي الله عنه .

وقد كان كل ما ذكر من الاختلاف والتفرّق والتنازع في الدين من الانقلاب على الأعقاب والارتداد والامتناع عن إتيان الزكاة وإتيان ما ذكر من قوم { يحبّهم ويحبّونه أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين } [ المائدة : 54 ] وغلبة حزب الله وأهل توحيده على أولئك .

ففي ذلك كله دلالة إثبات الرسالة ؛ إذ خرج على ما أخبر صلى الله عليه وسلم وذكر في المستقبل ، والله أعلم .

ثم إن الله بفضله وبرحمته رفع ذلك الاختلاف والتفرّق والتنازع من بينهم ، وجمعهم على أُلفة وخير ، ولم يرفع من بين أولئك ، فقال : { فاختلف الأحزاب من بينهم } والأحزاب الفِرق الذين تحزّبوا ، أي تفرّقوا . وقد ذكرنا هذا في ما تقدّم .

وقوله تعالى : { فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم } [ هو ظاهر ]{[19019]} .


[19015]:من م، في الأصل: مبين.
[19016]:في الأصل وم: حيث.
[19017]:في الأصل وم: قاتل.
[19018]:في الأصل وم: حيث.
[19019]:في الأصل وم: هي ظاهرة.