( ورفعنا لك ذكرك ) . . رفعناه في الملأ الأعلى ، ورفعناه في الأرض ، ورفعناه في هذا الوجود جميعا . . رفعناه فجعلنا اسمك مقرونا باسم الله كلما تحركت به الشفاه :
" لا إله إلا الله . محمد رسول الله " . . وليس بعد هذا رفع ، وليس وراء هذا منزلة . وهو المقام الذي تفرد به [ صلى الله عليه وسلم ] دون سائر العالمين . .
ورفعنا لك ذكرك في اللوح المحفوظ ، حين قدر الله أن تمر القرون ، وتكر الأجيال ، وملايين الشفاه في كل مكان تهتف بهذا الأسم الكريم ، مع الصلاة والتسليم ، والحب العميق العظيم .
ورفعنا لك ذكرك . وقد ارتبط بهذا المنهج الإلهي الرفيع . وكان مجرد الاختيار لهذا الأمر رفعة ذكر لم ينلها أحد من قبل ولا من بعد في هذا الوجود . .
فأين تقع المشقة والتعب والضنى من هذا العطاء الذي يمسح على كل مشقة وكل عناء ?
ورفعنا لك ذكرك : بالنبوة والرسالة ، كأن جعلتك تذكر مع ذكري في الأذان والإقامة والتشهد والخطبة وغيرها .
رفع الله له ذكره ، فختم به النبيين ، وجعل شريعته خاتمة الشرائع ، وجعلها باقية إلى يوم القيامة ، وأنزل عليه القرآن الكريم .
وملايين المآذن تردد الأذان ، وفيه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويتكرر ذلك في التّشهد ، وفي خطبة الجمعة ، وفي كثير من الأمور .
وقد جعل الله على يدي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إنقاذ أعداد غفيرة من الناس من رق الأوهام ، وفساد الأحلام ، ورجع إلى الفطرة ، وحررهم من عبادة الأوثان والأصنام والشموس والأقمار .
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقّ له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد
وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة . اه .
أي : جعل شريعته ورسالته خاتمة الشرائع ، ورفع ذكره في الآخرة حيث أعطاه الله الشفاعة العظمى التي اختصه الله تعالى بها .
وقال آخرون : رفع الله ذكره في الأولين والآخرين ، ونوّه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به ، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به .
قوله تعالى : { ورفعنا لك ذكرك }
قال مجاهد : يعني بالتأذين . وفيه يقول حسان بن ثابت :
أغَرُّ عليه للنبوة خاتَمٌ *** من الله مشهود يلوحُ ويُشْهِدُ
وضم الإله اسمَ النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهدُ
وروي عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : يقول له لا ذُكِرتُ إلا ذُكِرتَ معي في الأذان ، والإقامة والتشهد ، ويوم الجمعة على المنابر ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى : وأيام التشريق ، ويوم عرفة ، وعند الجمار ، وعلى الصفا والمروة ، وفي خطبة النكاح ، وفي مشارق الأرض ومغاربها . ولو أن رجلا عبد اللّه جل ثناؤه ، وصدق بالجنة والنار وكل شيء ، ولم يشهد أن محمدا رسول اللّه ، لم ينتفع بشيء وكان كافرا . وقيل : أي أعلينا ذكرك ، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك ، وأمرناهم بالبشارة بك ، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه . وقيل : رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء ، وفي الأرض عند المؤمنين ، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود ، وكرائم الدرجات .
ولما شرفه في نفسه بالكمال الجامع للجلال إلى الجلال ، وكان ذلك لا يصفو إلا مع الشرف عند الناس قال : { ورفعنا } أي بما لنا من العظمة والقدرة الباهرة { لك } أي خاصة رفعة تتلاشى عندها رفعة غيرك من الخلق كلهم { ذكرك * } عند جميع العالمين العقلاء وغيرهم بالصدق والأمانة والحلم والرزانة ومكارم الأخلاق وطهارة الشيم وانتفاء شوائب النقص حتى ما كانت شهرتك عند قومك قبل النبوة إلا الأمين ، وكانوا يضربون المثل بشمائلك الطاهرة ، وأوصافك الزاهرة الباهرة ، ثم بالنبوة ثم بالرسالة ثم بالهجرة ، وبأن جعلنا اسمك مقروناً باسمنا في كلمة التوحيد والإيمان والأذان والإقامة والتشهد والخطبة ، فلا أذكر إلا وذكرت معي ، ومن الكرامة الظفر على أعدائك والكرامة لأوليائك ، وجعل رضاك رضاي وطاعتك طاعتي ، وأمر ملائكتي بالصلاة عليك ، ومخاطبتي لك بالألقاب العلية والسمات المعزة المعلية من الرسول والنبي ، ونحو ذلك على حسب الأساليب ومناسبات التراكيب إلى غير ذلك من فضائل ومناقب وشمائل لا تضبط بالوصف ، قال الرازي : ثم جعل لأمته من ذلك أوفر الحظ ، قيل : يا رسول الله ، من أولياء الله ؟ قال : " الذين إذا ذُكروا ذُكر الله " وفي حديث : " الذين إذا رُؤُوا ذُكر الله " وقال : " خياركم من تذكر الله رؤيته ، ويزيد في علمكم منطقه ، ويزهدكم في الدنيا عمله " فمنتهى قسمة الثناء أن خلط ذكره بذكره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.