ثم يجيء التوجيه الكريم لمواقع التيسير ، وأسباب الانشراح ، ومستودع الري والزاد في الطريق الشاق الطويل : ( فإذا فرغت فانصب . وإلى ربك فارغب ) . .
إن مع العسر يسرا . . فخذ في أسباب اليسر والتيسير . فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الأرض ، ومع شواغل الحياة . . إذا فرغت من هذا كله فتوجه بقلبك كله إذن إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد . . العبادة والتجرد والتطلع والتوجه . .
فإذا فرغت : من عبادة أدّيتها .
فانصب : فاجتهد وأتعبها بعبادة أخرى ، أو بعمل آخر .
فارغب : فاجعل رغبتك في جميع شئونك .
7 ، 8- فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب .
إذا فرغت من شئون الدنيا وأمرها فأتبع ذلك بالنّصب والتّعب في شئون الآخرة ، وارغب إلى الله في عبادتك وصلاتك ومناجاتك وتبتّلك ، وقم إلى العبادة نشيطا فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة .
وقيل : إذا فرغت من الصلاة المفروضة فانصب في صلاة النافلة ، أو في الدعاء والاستغفار .
وإلى ربك فارغب . اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عز وجل .
وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الهدي الكريم ، فكان نموذجا يحتذى في عمله ، وقيام الليل ، وتدريب المسلمين وقيادة الجيوش ، وتربية الصحابة والصحابيات ، وقد اقتدى به أصحابه من بعده ، فكانوا خير أمة أخرجت للناس .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني لأكره لأحدكم أن يكون خاليا ، لا في عمل دنيا ولا دين .
وقال عمر أيضا : إني لأنظر إلى الرجل فيعجبني ، فإذا قيل إنه لا عمل له سقط من عيني .
الأولى- قوله تعالى : { فإذا فرغت فانصب ، وإلى ربك فارغب }
قوله تعالى : " فإذا فرغت " قال ابن عباس وقتادة : فإذا فرغت من صلاتك " فانصب " أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك . وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وقال الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة " فانصب " أي استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات . وقال الحسن وقتادة أيضا : إذا فرغت من جهاد عدوك ، فانصب لعبادة ربك . وعن مجاهد : " فإذا فرغت " من دنياك ، " فانصب " في صلاتك . ونحوه عن الحسن . وقال الجنيد : إذا فرغت من أمر الخلق ، فاجتهد في عبادة الحق . قال ابن العربي : " ومن المبتدعة من قرأ هذه الآية " فانصب " بكسر الصاد ، والهمز{[16175]} من أوله ، وقالوا : معناه : انصِب الإمام الذي تستخلفه . وهذا باطل في القراءة ، باطل في المعنى ؛ لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا . وقرأها بعض الجهال " فانصب " بتشديد الباء ، معناه : إذا فرغت من الجهاد ، فجد في الرجوع إلى بلدك . . وهذا باطل أيضا قراءة ، لمخالفة الإجماع ، لكن معناه صحيح ؛ لقوله صلى اللّه عليه وسلم : [ السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدكم نهمته ، فليعجل الرجوع إلى أهله ] . وأشد الناس عذابا وأسوأهم مباء ومآبا ، من أخذ معنى صحيحا ، فركب عليه من قبل نفسه قراءة أو حديثا ، فيكون كاذبا على اللّه ، كاذبا على رسوله ، " ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا " . قال المهدوي : وروي عن أبي جعفر المنصور : أنه قرأ " ألم نشرح لك صدرك " بفتح الحاء ، وهو بعيد ، وقد يؤول على تقدير النون الخفيفة ، ثم أبدلت النون ألفا في الوقف ، ثم حمل الوصل على الوقف ، ثم حذف الألف . وأنشد عليه :
اضربَ عنك الهمومَ طارِقَها *** ضربك بالسوط قَوْنَسَ الفَرَسِ{[16176]}
أراد : اضربن . وروي عن أبي السمال " فإذا فرغت " بكسر الراء ، وهي لغة فيه .
ولما علم من هذا أن المواد تكون بحسب الأوراد الشداد لما على الممدود من الشكر ، ولما علم للشاكر من الوعد بالمزيد ، قال مسبباً عما أعطاه من اليسر بعد ذلك العسر ندباً له إلى الشكر وإعلاماً بأنه لا ينفك عن تحمل أمر في الله : { فإذا فرغت } أي بما آتاك من اليسر يسر من جهادك الذي أنت فيه في وقت المخاطبة بهذا الكلام مما يوجب عسراً في المآل أو الحال ، وعقبه العسر في أي موضع كان لا سيما عند دخول الناس في الدين أفواجاً ، أو من العبادة الثقيلة العظيمة بسماع الوحي وتحمله ، أو من الغرض بالتيسير الذي بشرناك به { فانصب * } أي بالغ في التعب بعبادة أخرى من التسبيح والاستغفار ، أو النفل لمن أولاك هذا المعروف
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.