ليطغى : يتجاوز حدود ما شرع فيكفر ويظلم .
أن رآه استغنى : أي بسبب غناه أبطرته النعم .
الرجعى : الرجوع والمصير إلى الله .
6 ، 7 ، 8- كلاّ إنّ الإنسان ليطغى* أن رآه استغنى* إنّ إلى ربك الرجعى .
حقا إن الإنسان ليتعاظم ويتكبّر ، ويأخذه الغرور والفخر إذا أحس بالاستغناء ، أي بالوفرة في صحته وماله وتراثه ، ويوشك أن يكرر ما قاله قارون : إنما أوتيه على علم عندي . . . ( القصص : 78 ) .
أيها الإنسان الذي خلقه الله من نطفة ، وعلّمه ما لم يكن يعلم ، وأسدى إليه الفضل وسائر النعم ، إنك راجع إلى الله فيجازيك بعملك ، وستجد عملك شاخصا بين يديك ، وكتابك لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، إلا أحصاها .
وفي الآيات تهديد ووعيد لكل عات متجبر ، مغرور بالغنى والجاه ، وهي في نفس الوقت خطاب لكل إنسان بأنه راجع إلى ربه ، وسيعرض عليه بلا حاجز ولا ترجمان ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، فليقدم خيرا لذلك اليوم .
وقد ذكر المفسرون أنه ورد الحديث الصحيح أن أبا جهل حلف باللات والعزّى لئن محمد صلى الله عليه وسلم يصلي ليطأنّ على رقبته وليعفّرنّ وجهه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليفعل ، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ) .
والآية بعد ذلك عامة لكل من تنطبق عليه ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
" أن رآه " أي لأن رأى نفسه استغنى ، أي صار ذا مال وثروة . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه ، قال : لما نزلت هذه الآية وسمع بها المشركون ، أتاه أبو جهل فقال : يا محمد تزعم أنه من استغنى طغى ، فاجعل لنا جبال مكة ذهبا ، لعلنا نأخذ منها ، فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك . قال : فأتاه جبريل عليه السلام فقال : ( يا محمد خيرهم في ذلك ، فإن شاؤوا فعلنا بهم ما أرادوه ، فإن لم يسلموا فعلنا بهم كما فعلنا بأصحاب المائدة ) . فعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن القوم لا يقبلون{[16214]} ذلك ، فكف عنهم إبقاء عليهم . وقيل : " أن رآه استغنى " بالعشيرة والأنصار والأعوان . وحذف اللام من قوله " أن رآه " كما يقال : إنكم لتطغون إن رأيتم غناكم . وقال الفراء : لم يقل : رأى نفسه ، كما قيل : قتل نفسه ؛ لأن رأى من الأفعال التي تريد اسما وخبرا ، نحو الظن والحسبان ، فلا يقتصر فيه على مفعول واحد . والعرب تطرح النفس من هذا الجنس تقول : رأيتني وحسبتني ، ومتى تراك خارجا ، ومتى تظنك خارجا . وقرأ مجاهد وحميد وقنبل عن ابن كثير " أن رآه استغنى " بقصر الهمزة . الباقون " رآه " بمدها ، وهو الاختيار .
وأكده لما لأكثر الخلق من التكذيب به ، فإنه لا طاغي يقر بأنه طغى { أن } أي لأجل أن { رآه } أي علم الإنسان نفسه علماً وجدانياً { استغنى * } أي وجد له الغنى ، هذا هو الطبع الغالب في الإنسان متى استغنى عن شيء عمي عن مواضع افتقاره ، فتغيرت أحواله معه ، وتجاوز فيه ما ينبغي له الوقوف عنده " ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب " ، ومن كان مفتقراً إلى شيء كان منطاعاً له كما في حديث آخر أهل النار خروجاً منها يقسم لربه أنه لا يسأل غير ما طلبه ، فإذا أعطيه واستغنى به سأل غيره حتى يدخل دار القرار ، ولعله نبه بهذا على أن هذه الأمة المحتاجة ستفتح لها خزائن الأرض فيطغيها الغنى كما أطغى من قبلها ، وإن كانوا هم ينكرون ذلك ، كما قال صلى الله عليه وسلم حين بشرهم بالفتوحات وقال : " إنه يغدى على أحدكم بصفحة ويراح عليه بأخرى ، ثم قال لهم : أنتم اليوم خير أم يومئذ ، فقالوا : بل يومئذ ، نتفرغ لعبادة ربنا ، فقال : بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ ، قال صلى الله عليه وسلم : والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن يبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.