( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ) :
وفق سنته الماضية التي بيناها . فلا تصل إلى الإيمان وقد سارت في الطريق الآخر الذي لا يؤدي إليه . لا أنها تريد الإيمان وتسلك طريقه ثم تمنع عنه ، فهذا ليس المقصود بالنص . بل المقصود انها لا تصل إلى الإيمان إلا إذا سارت وفق إذن الله وسنته في الوصول إليه من طريقه المرسوم بالسنة العامة . وعندئذ يهديها الله ويقع لها الإيمان بإذنه . فلا شيء يتم وقوعه إلا بقدر خاص به . إنما الناس يسيرون في الطريق . فيقدر الله لهم عاقبة الطريق ، ويوقعها بالفعل جزاء ما جاهدوا في الله ليهتدوا . .
( ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ) . .
فالذين عطلوا عقولهم عن التدبر ، يجعل الرجس عليهم . والرجس أبشع الدنس الروحي ، فهؤلاء ينالهم ذلك الرجس بسبب تعطيلهم لمداركهم عن التعقل والتدبر ، وانتهاؤهم بهذا إلى التكذيب والكفران .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرّجْسَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه : وما كان لنفس خلقتها من سبيل إلى تصديقك يا محمد إلا بإن آذن لها في ذلك ، فلا تجهدنّ نفسك في طلب هداها ، وبلغها وعيد الله وعرفها ما أمرك ربك بتعريفها ، ثم خلّها ، فإن هداها بيد خالقها .
وكان الثوري يقول في تأويل قوله : إلاّ بأذْنِ اللّهِ ما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، في قوله : وَما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُوءْمِنَ إلاّ بإذْنِ اللّهِ قال : بقضاء الله .
وأما قوله : وَيجْعَلُ الرّجْسَ على الّذِينَ لا يَعْقَلُونَ فإنه يقول تعالى ذكره : إن الله يهدي من يشاء من خلقه للإيمان بك يا محمد ، ويأذن له في تصديقك فيصدّقك ويتبعك ، ويقرّ بما جئت به من عند ربك ، ويجعل الرجس ، وهو العذاب ، وغضب الله على الذين لا يعقلون يعني الذين لا يعقلون عن الله حججه ومواعظه وآياته التي دلّ بها جلّ ثناؤه على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما دعاهم إليه من توحيد الله وخلع الأنداد والأوثان .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَيجْعَلُ الرّجْسَ قال : السخط .
عطف على جملة : { أفأنت تكره الناس } [ يونس : 99 ] لتقرير مضمونها لأن مضمونها إنكار أن يقدر النبي صلى الله عليه وسلم على إلجاء الناس إلى الإيمان لأن الله هو الذي يقدر على ذلك .
ويجوز أن تكون الواو للحال من ضمير المخاطب ، أي كيف يمكنك أن تكره الناس على الإيمان والحال أنه لا تستطيع نفس أن تؤمن إلا بإذن الله لها بالإيمان .
والإذن : هنا إذن تكوين وتقدير . فهو خلْق النفس مستعدة لقبول الحق مميزة بين الحق والباطل ، والصلاح والفساد ، متوصلة بالنظر الصحيح إلى معرفة ما ينبغي أن يُتبع وما لا ينبغي ، متمكنة بصحة الإرادة من زجر داعية الهوى والأعراض العاجلة ومن اتباع داعية الحق والعاقبة الدائمة حتى إذا وُجه إليها الإرشاد حصل فيها الهدى .
ويومىء إلى هذا المعنى من الإذن قوله في مقابله { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } فقابَلَ هذه الحالة بحالة الذين لا يعقلون فعلم أن حالة الإيمان حالة من يعقلون ، فبينت آية { ولو شك ربك لآمن مَن في الأرض } [ يونس : 99 ] أن إيمان من لم يؤمن هو لعدم مشيئة الله إيمانه . وبينت هذه الآية أن إيمان من آمن هو بمشيئة الله إيمانه ، وكلاهما راجع إلى تقدير التكوين في النفوس والعقول .
والرجس : حقيقته الخبث والفساد . وأطلق هنا على الكفر ، لأنه خبث نفساني ، والقرينة مقابلته بالإيمان كالمقابلة التي في قوله : { فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً إلى قوله : { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 124 ، 125 ] . والمعنى : ويوقع الكفر على الذين لا يعقلون . والمراد نفي العقل المستقيم ، أي الذين لا تهتدي عقولهم إلى إدراك الحق ولا يستعملون عقولهم بالنظر في الأدلة .
و{ على } للاستعلاء المجازي المستعمل في التمكن .
وقرأ الجمهور { ويجعل الرجس } بياء الغيبة ، والضمير عائد إلى اسم الجلالة الذي قبله . وقرأه أبو بكر عن عاصم { ونجعل } بنون العظمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.