والله - سبحانه - يكشف عنهم هذا الرداء المستعار . ويخبر رسوله [ ص ] ، أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم . ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق ، والنصح لهم بالكف عن هذا الالتواء :
( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم . فأعرض عنهم وعظهم ، وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) . .
أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ؛ ويحتجون بهذه الحجج ، ويعتذرون بهذه المعاذير . والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . . ولكن السياسة التي كانت متبعة - في ذلك الوقت - مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم ، وأخذهم بالرفق ، واطراد الموعظة والتعليم . .
وقل لهم . . في أنفسهم . . قولا بليغًا .
تعبير مصور . . كأنما القول يودع مباشرة في الأنفس ، ويستقر مباشرة في القلوب .
{ أُولََئِكَ الّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لّهُمْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } . .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : { أولئك } هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك يا محمد صفتهم ، يعلم الله مّا في قلوبهم في احتكامهم إلى الطاغوت ، وتركهم الاحتكام إليك ، وصدودهم عنك من النفاق والزيغ ، وإن حلفوا بالله ما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ، { فأعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ } يقول : فدعهم فلا تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم ، ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس الله أن يحلّ بهم ، وعقوبته أن تنزل بدارهم ، وحَذّرْهُمْ من مكروه ما هم عله من الشكّ في أمر الله وأمر رسوله . { وقُلْ لَهُمْ في أَنْفُسَهِمْ قَوْلاً بَلِيغا } يقول : مرهم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده .
وقوله تعالى : { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } تكذيب المنافقين المتقدم ذكرهم وتوعدهم ، أي فهو مجازيهم بما يعلم ، و { أعرض عنهم } يعني عن معاقبتهم ، وعن شغل البال بهم ، وعن قبول أيمانهم الكاذبة في قوله { يحلفون } وليس بالإعراض الذي هو القطيعة والهجر ، فإن قوله : { وعظهم } يمنع من ذلك ، { وعظهم } معناه بالتخويف من عذاب الله ، وغيره من المواعظ ، والقول البليغ اختلف فيه ، فقيل : هو الزجر والردع والكف بالبلاغة من القول ، وقيل : هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق ، قاله الحسن ، وهذا أبلغ ما يكون في نفوسهم ، والبلاغة : مأخوذة من بلوغ المراد بالقول ، وحكي عن مجاهد أن قوله : { في أنفسهم } ، متعلق بقوله : { مصيبة } وهو مؤخر بمعنى التقديم ، وهذا ضعيف{[4131]} .
قوله : { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } جاء باسم الإشارة لتمييزهم للسامعين أكمل تمييز ، لأنّهم قد حصل من ذكر صفاتهم مَا جعلهم كالمشاهدين ، وأراد بما في قلوبهم الكفر الذي أبطنوه وأمر رسوله بالإعراض عنهم .
وحقيقة الإعراض عدم الالتفات إلى الشيء بقصد التباعد عنه ، مشتقّ من العُرْض بضم العين وهوَ الجانب ، فلعلّ أصل الهمزة في فعل أعرض للدخول في الشيء ، أي دخل في عرض المكان ، أو الهمزة للصيرورة ، أي صار ذا عرض ، أي جانب ، أي أظهر جانبه لغيره ، ولم يُظهر له وجهَه ، ثم استعمل استعمالاً شائعاً في التَّرك والإمساك عن المخالطة والمحادثة ، لأنّه يتضمّن الإعراض غالباً ، يقال : أعرض عنه كما يقال : صدّ عنه ، كقوله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديث غيره } [ الأنعام : 68 ] ولذلك كثر هذا اللفظ في أشعار المتيَّمين رديفاً للصدود ، وهذا أقرب المعاني إلى المعنى الحقيقي ، فهو مجاز مرسل بعلاقة اللزوم ، وقد شاع ذلك في الكلام ثمّ أطلق على العفو وعدم المؤاخذة بتشبيه حالة من يعفو بحالة من لا يلتفت إلى الشيء فيوليه عُرض وجهه ، كما استعمل صَفَح في هذا المعنى مشتقّاً من صفحة الوجه ، أي جانبه ، وهو أبعد عن المعنى الحقيقي من الأوّل لأنّه مبني على التشبيه .
والوعظ : الأمر بفعل الخير وترك الشرّ بطريقة فيها تخويف وترقيق يحملان على الامتثال ، والاسم منه الموعظة ، وتقدّم آنفاً عند قوله تعالى : { إنّ الله نعمّا يعظكم به } [ النساء : 58 ] . فهذا الإعراض إعراض صفح أو إعراض عدم الحزن من صدودهم عنك ، أي لا تهتمّ بصدودهم ، فإنّ الله مجازيهم ، بدليل قوله : { وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً } ، وذلك إبلاغ لهم في المعذرة ، ورجاء لصلاح حالهم ، . شأن الناصح الساعي بكلّ وسيلة إلى الإرشاد والهدى .
والبليغ فعيل بمعنى بالغ بلوغاً شديداً بقوّة ، أي : بالغاً إلى نفوسهم متغلغلاً فيها . وقوله : { في أنفسهم } يجوز أن يتعلّق بقوله بليغاً ، وإنّما قدّم المجرور للاهتمام بإصلاح أنفسهم مع الرعاية على الفاصلة ، ويجوز أن يتعلق بفعل { قل لهم } ، أي قل لهم قولاً في شأن أنفسهم ، فظرفية ( في ) ظرفية مجازية ، شبّهت أنفسهم بظرف للقول .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{أولئك}: هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك يا محمد صفتهم، يعلم الله مّا في قلوبهم في احتكامهم إلى الطاغوت، وتركهم الاحتكام إليك، وصدودهم عنك من النفاق والزيغ، وإن حلفوا بالله ما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا، {فأعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ}: فدعهم فلا تعاقبهم في أبدانهم وأجسامهم، ولكن عظهم بتخويفك إياهم بأس الله أن يحلّ بهم، وعقوبته أن تنزل بدارهم، وحَذّرْهُمْ من مكروه ما هم عله من الشكّ في أمر الله وأمر رسوله.
{وقُلْ لَهُمْ في أَنْفُسَهِمْ قَوْلاً بَلِيغا}: مرهجم باتقاء الله والتصديق به وبرسوله ووعده ووعيده.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل أن يكون على الوعيد، أي لا تعاقبهم، فإن الله تعالى عز وجل هو معاقبهم. {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} قيل: أوعدهم وعيدا، حتى إذا عادوا إلى مثله يعاقبون. وقيل: ألزمهم الحجة في ذلك، وأبلغها إليهم، حتى إذا عادوا عاقبتهم...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِم} يعني من النفاق الذي يضمرونه. {فَأَعْرِضْ عَنهُم وَعِظْهُم} وفي الجمع بين الإعراض والوعظ مع تنافي اجتماعهما في الظاهر -ثلاثة أوجه: أحدها: أعرض عنهم بالعداوة لهم وعِظهم فيما بدا منهم. والثاني: أعرض عن عقابهم وعظهم.
والثالث: أعرض عن قبول الأعذار منهم وعظهم.
{وَقُل لَّهُم فِي أَنْفُسِهِم قَوْلاً بَلِيغاً} فيه قولان:
أحدهما: أن يقول لهم: إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم، فإنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ، وهذا قول الحسن.
والثاني: أن يزجرهم عما هم عليه بأبلغ الزواجر...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَأَعْرَضْ عَنْهُمْ} لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم، ولا تزد على كفهم بالموعظة والنصيحة عما هم عليه، {وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} بالغ في وعظهم بالتخويف والإنذار. فإن قلت: بم تعلق قوله: {فِي أَنفُسِهِمْ}؟ قلت: بقوله: (بليغاً) أي: قل لهم قولاً بليغاً في أنفسهم مؤثراً في قلوبهم يغتمون به اغتماماً، ويستشعرون منه الخوف استشعاراً، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق وأطلع قرنه، وأخبرهم أن ما في نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند الله، وأنه لا فرق بينكم وبين المشركين، وما هذه المكافة إلا لإظهاركم الإيمان وإسراركم الكفر وإضماره، فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف. أو يتعلق بقوله: {قُلْ لَهُمْ} أي قل لهم في معنى أنفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على النفاق قولاً بليغاً، وأنّ الله يعلم ما في قلوبكم لا يخفي عليه فلا يغني عنكم إبطانه. فأصلحوا أنفسكم وطهروا قلوبكم وداووها من مرض النفاق، وإلا أنزل الله بكم ما أنزل بالمجاهرين بالشرك من انتقامه، وشراً من ذلك وأغلظ. أو قل لهم في أنفسهم -خالياً بهم، ليس معهم غيرهم، مسارًّا لهم بالنصيحة، لأنه في السر أنجع، وفي الإمحاض أدخل، {قولاً بليغاً} يبلغ منهم ويؤثر فيهم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وعظهم} معناه بالتخويف من عذاب الله، وغيره من المواعظ، والقول البليغ اختلف فيه، فقيل: هو الزجر والردع والكف بالبلاغة من القول، وقيل: هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق، قاله الحسن، وهذا أبلغ ما يكون في نفوسهم.
{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} والمعنى: أنه لا يعلم ما في قلوبهم من النفاق والغيظ والعداوة إلا الله.
{فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} واعلم أنه تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم بثلاثة أشياء: الأول: قوله: {فأعرض عنهم} وهذا يفيد أمرين أحدهما: أن لا يقبل منهم ذلك العذر ولا يغتر به، فإن من لا يقبل عذر غيره ويستمر على سخطه قد يوصف بأنه معرض عنه غير ملتفت إليه.
والثاني: أن هذا يجري مجرى أن يقول له: اكتف بالإعراض عنهم ولا تهتك سترهم، ولا تظهر لهم أنك عالم بكنه ما في بواطنهم، فإن من هتك ستر عدوه وأظهر له كونه عالما بما في قلبه فربما يجرئه ذلك على أن لا يبالي بإظهار العداوة فيزداد الشر، ولكن إذا تركه على حاله بقي في خوف ووجل فيقل الشر.
النوع الثاني: قوله تعالى: {وعظهم} والمراد أنه يزجرهم عن النفاق والمكر والكيد والحسد والكذب ويخوفهم بعقاب الآخرة، كما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.
النوع الثالث: قوله تعالى: {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ذكر سبحانه وتعالى بعض ما يصدر منهم من التناقضات وهم غير محتشمين ولا هائبين، قال معلماً بشأنهم معلماً لما يصنع بهم: {أولئك} أي البعداء عن الخير {الذين يعلم الله} أي الحاوي لنعوت العظمة {ما في قلوبهم} أي من شدة البغض للإسلام وأهله وإن اجتهدوا في إخفائه عنه، ثم سبب تعليماً لما يصنع بهم وإعلاماً بأنهم لا يضرون إلا أنفسهم قوله: {فأعرض عنهم} أي عن عقابهم وعن الخشية منهم وعن عتابهم، لأنهم أقل من أن يحسب لهم حساب {وعظهم} أي وإن ظننت أن ذلك لا يؤثر، لأن القلوب بيد الله سبحانه وتعالى يصطنعها لما أراد متى أراد {وقل لهم في أنفسهم} أي بسببها وما يشرح أحوالها ويبين نقائصها من نفائسها، أو خالياً معهم، فإن ذلك أقرب إلى ترقيقهم {قولاً بليغاً} أي يكون في غاية البلاغة في حد ذاته.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
سأل العليم الحكيم كيف تكون المعاملة في هذه الحال تمهيدا لبيان ما يجب العمل به وهو قوله تعالى: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} من الكفر والحقد والكيد وتربص الدوائر بالمؤمنين ليظهروا عداوتهم. قال الأستاذ الإمام: والعبارة تدل على تعظيم الأمر أي فظاعته وكبره ولا يزال مثلها مستعملا فيما يعظم شأنه من خير وشر ومسرة وحزن، يقول الرجل لمن يحبه ويحفظ وده: الله يعلم ما في نفسي لك، أي ويقول في العدو الماكر المخادع الله يعلم ما في قلبه. والمعنى أن ما في قلوب هؤلاء المنافقين كبير جدا لا يعرفه كما هو إلا الله تعالى {فأعرض عنهم} أي اصرف وجهك عنهم ولا تقبل عليهم بالبشاشة والتكريم {وعظهم} ببيان سوء حالهم لهم إذا هم أصروا على ما هم عليه {وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} يبلغ من نفوسهم الأثر الذي تريد أن تحدثه فيها...
{وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} فقيل معنى قوله: {في أنفسهم} في شأن أنفسهم كأن يذكر لهم من شأن أنفسهم في عقائدها وما تنطوي عليه سرائرها وما يترتب على تلك العقائد والسرائر، من الأعمال الدالة على أن الظاهر مرآة الباطن، ويبين لهم أن هذه الذبذبة لم تكن خيرا لهم فيما يهمهم من أمر دنياهم، لأنهم صاروا بها في اضطراب دائم، وهم ملازمون، وهي شر لهم في آخرتهم، وقيل في أنفسهم معناه في السر دون الملأ لأن الكلام في السر يبلغ من النفس ما لا يبلغه الكلام على مسمع من الناس، فإن من تحدثه خاليا لا يشغله عن معنى حديثك ما يشغل غيره من ذهاب نفسه وراء تأثير حديثك في نفوس الناس الذين سمعوه: هل يحتقرونه به، هل يحدثون به غيرهم، ماذا ينبغي أن يفعل وأن يقول إذا قيل له فيه أو احتقر لأجله. قيل: المعنى: قولا بليغا في أنفسهم أي يغوصوا فيها ويبلغوا غاية ما يراد به منها، وهو الذي أشار إليه الأستاذ الإمام. وفيه تقديم الصفة على الموصوف وهو جائز عند الكوفيين، وكثيرا ما يرجح الأستاذ الإمام مذهبهم ولا سيما في الجواز واستعمال اللغة، والبصريون لا يجيزونه إلا حيث يجوز تقديم العامل وتوسع بعضهم في الظروف...
وفي الآية شهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالقدرة على الكلام البليغ وتفويض أمر الوعظ والقول البليغ إليه، لأن الكلام يختلف تأثيره باختلاف أفهام المخاطبين وهي شهادة له بالحكمة ووضع الكلام في موضعه وهذا بمعنى إيتاء الله تعالى نبيه داود الحكمة وفصل الخطاب وما أوتي نبي فضيلة إلا وأوتي مثلها خاتم النبيين (صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين) وشهادة الله تعالى له في هذا المقام أكبر شهادة وإنما آتاه الله تعالى هاتين المزيتين على وجه الكمال بالنبوة والقرآن ولم يكن قبل النبوة مشهورا بين قومه بالفصاحة والبلاغة، وإن كان فصيحا بليغا، لأن الله تعالى صرفه عن مظهر فصاحتهم وبلاغتهم وهو الشعر والخطابة والمماتنة (المغالبة) في الأسواق والمجامع...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والله -سبحانه- يكشف عنهم هذا الرداء المستعار. ويخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم. ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق، والنصح لهم بالكف عن هذا الالتواء:
(أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم. فأعرض عنهم وعظهم، وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا)..
أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم؛ ويحتجون بهذه الحجج، ويعتذرون بهذه المعاذير. والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور.. ولكن السياسة التي كانت متبعة -في ذلك الوقت- مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم، وأخذهم بالرفق، واطراد الموعظة والتعليم..
وقل لهم.. في أنفسهم.. قولا بليغًا.
تعبير مصور.. كأنما القول يودع مباشرة في الأنفس، ويستقر مباشرة في القلوب.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والوعظ: الأمر بفعل الخير وترك الشرّ بطريقة فيها تخويف وترقيق يحملان على الامتثال، والاسم منه الموعظة، وتقدّم آنفاً عند قوله تعالى: {إنّ الله نعمّا يعظكم به} [النساء: 58]. فهذا الإعراض إعراض صفح أو إعراض عدم الحزن من صدودهم عنك، أي لا تهتمّ بصدودهم، فإنّ الله مجازيهم، بدليل قوله: {وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً}، وذلك إبلاغ لهم في المعذرة، ورجاء لصلاح حالهم،. شأن الناصح الساعي بكلّ وسيلة إلى الإرشاد والهدى...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} أولئك النافرون عن حكم الله تعالى إلى حكم الطغيان والهوى والشيطان، وهم يزعمون أنهم من أهل الإيمان يعلم الله تعالى ما يستكن في قلوبهم، وما يدفعهم إلى أعمالهم وخروجهم عن حكم الحق إلى حكم الهوى. والإبهام في قوله تعالى {يعلم الله ما في قلوبهم} للإشارة إلى خفائه إذ يخفونه ويبدون غيره، وإلى أنه شيء كثير من الفساد والانحراف النفسي يُحكمون إخفاءه، وإلى تنوعه من رغبة في الكيد والأذى، والتفريق بين المؤمنين وممالأة المشركين وغير ذلك. وإذا كان الله يعلم ما في نفوسهم علما دقيقا، لا يغيب عنه شيء، لأنه وحده العليم بذات الصدور الذي لا يخفى عليه شيء في السماء والأرض،فإنه سبحانه وتعالى مجازيهم في الآخرة بأعمالهم ودوافعها المكنونة في قلوبهم، إن استمروا على حالهم ولكن عليك أنت أيها الرسول أن تبلغهم الحق، وتدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة...