في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

30

( والشمس تجري لمستقر لها ) . .

والشمس تدور حول نفسها . وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها . ولكن عرف أخيراً أنها ليست مستقرة في مكانها . إنما هي تجري . تجري فعلاً . تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلاً في الثانية ! والله - ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها - يقول : إنها تجري لمستقر لها . هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو سبحانه . ولا يعلم موعده سواه .

وحين نتصور ان حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه . وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء ، لا يسندها شيء ، ندرك طرفاً من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم :

( ذلك تقدير العزيز العليم ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

قوله تعالى : { والشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا } يقول تعالى ذكره : والشمس تجري لموضع قرارها ، بمعنى : إلى موضع قرارها وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذرّ الغفاريّ ، قال : كنت جالسا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فلما غَرَبت الشمس ، قال : «يا أبا ذَرّ هَلْ تَدْرِي أيْنَ تَذْهَبُ الشّمْسُ ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنها تذهب فتسجد بَينَ يَدَيْ رَبّها ، ثُمّ تَسْتأذِنُ بالرّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا ، وكأنّها قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ ، فَتَطْلُعَ مِنْ مَكانِهَا ، وَذلكَ مُسْتَقَرّها » .

وقال بعضهم في ذلك بما : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { والشّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا }قال : وقت واحد لا تعدوه .

وقال آخرون : معنى ذلك : تجري لمجرى لها إلى مقادير مواضعها ، بمعنى : أنها تجري إلى أبعد منازلها في الغروب ، ثم ترجع ولا تجاوزه . قالوا : وذلك أنها لا تزال تتقدّم كل ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع .

وقوله : ذلكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ يقول : هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقرّ لها ، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه ، العليم بمصالح خلقه ، وغير ذلك من الأشياء كلها ، لا يخفى عليه خافية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

و «مستقر الشمس » على ما روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي ذؤيب «بين يدي العرش تمجد فيه كل ليلة بعد غروبها »{[1]} ، وفي حديث آخر

«أنها تغرب في عين حمئة ولها ثم وجبة عظيمة » ، وقالت فرقة : مستقرها هو في يوم القيامة حين تكون فهي تجري لذلك المستقر ، وقالت فرقة : مستقرها كناية عن غيوبها ؛ لأنها تجري كل وقت إلى حد محدود تغرب فيه ، وقيل : مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين لأنهما نهاية مطالعها فإذا استقر وصولها كرت راجعة ، وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين ، ونحا إلى هذا ابن قتيبة ، وقالت فرقة : مستقرها وقوفها عند الزوال في كل يوم ، ودليل استقرارها وقوف ظلال الأشياء حينئذ ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وعكرمة ، وعطاء بن أبي رباح وأبو جعفر ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ، :{ والشمس تجري لا مستقر لها } .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟