ويعلل النص هذا المصير البائس السيء ، بأن مغفرة الله - سبحانه - تتناول كل شيء . . إلا أن يشرك به . . فهذه لا مغفرة لمن مات عليها :
( إن الله لا يغفر أن يشرك به . ويغفر ما دون ذلك - لمن يشاء - ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) . .
والشرك بالله - كما أسلفنا في هذا الجزء عند تفسير مثل هذه الآية من قبل - يتحقق باتخاذ آلهة مع الله اتخاذا صريحا على طريقه الجاهلية العربية وغيرها من الجاهليات القديمة - كما يتحقق بعدم إفراد الله بخصائص الألوهية ؛ والاعتراف لبعض البشر بهذه الخصائص . كإشراك اليهود والنصارى الذي حكاه القرآن من أنهم ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله ) ولم يكونوا عبدوهم مع الله . ولكن كانوا فقط اعترفوا لهم بحق التشريع لهم من دون الله . فحرموا عليهم وأحلوا لهم . فاتبعوهم في هذا . ومنحوهم خاصية من خصائص الألوهية ! فحق عليهم وصف الشرك . وقيل عنهم إنهم خالفوا ما أمروا به من التوحيد ( وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدًا ) . فيقيموا له وحده الشعائر ، ويتلقوا منه وحده الشرائع والأوامر .
ولا غفران لذنب الشرك - متى مات صاحبه عليه - بينما باب المغفرة مفتوح لكل ذنب سواه . . عندما يشاء الله . . والسبب في تعظيم جريمة الشرك ، وخروجها من دائرة المغفرة ، أن من يشرك بالله يخرج عن حدود الخير والصلاح تماما ؛ وتفسد كل فطرته بحيث لا تصلح أبدا :
( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدًا ) . .
ولو بقي خيط واحد صالح من خيوط الفطرة لشده إلى الشعور بوحدانية ربه ؛ ولو قبل الموت بساعة . . فأما وقد غرغر - وهو على الشرك - فقد انتهى أمره وحق عليه القول :
{ إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الله لا يغفر لطعمة إذ أشرك ومات على شركه بالله ولا لغيره من خلقه بشركهم وكفرهم به¹ { وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ } يقول : ويغفر ما دون الشرك بالله من الذنوب لمن يشاء ، يعني بذلك جلّ ثناؤه : أن طعمة لولا أنه أشرك بالله ومات على شركه لكان في مشيئة الله على ما سلف من خيانته ومعصيته ، وكان إلى الله أمره في عذابه والعفو عنه . وكذلك حكم كل من اجترم جرما ، فإلى الله أمره ، إلا أن يكون جرمه شركا بالله وكفرا ، فإنه ممن حتم عليه أنه من أهل النار إذا مات على شركه ، فإذا مات على شركه ، فقد حرّم الله عليه الجنة ، ومأواه النار .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { أنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشَرَكَ بِه وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لَمِنْ يَشاءُ } يقول : من يجتنب الكبائر من المسلمين .
وأما قوله : { وَمَنْ يُشْرِكْ باللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلالاً بَعِيدا } فإنه يعني : ومن يجعل لله في عبادته شريكا ، فقد ذهب عن طريق الحقّ ، وزال عن قصد السبيل ذهابا بعيدا وزوالاً شديدا . وذلك أنه باشراكه بالله في عبادته ، فقد أطاع الشيطان وسلك طريقه وترك طاعة الله ومنهاج دينه ، فذاك هو الضلال البعيد والخسران المبين .
ثم أوجب تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به ، وقد مضى تفسير مثل هذه الآية وما يتصل بها من المتعقد والبعد في صفة الضلال ، مقتض بعد الرجوع إلى المحجة البيضاء وتعذره{[4281]} وإن بقي غير مستحيل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.