في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (63)

57

وبعد هذه اللفتة يعود إلى بيان حقيقة عيسى - عليه السلام - وحقيقة ما جاء به ؛ وكيف اختلف قومه من قبله ثم اختلفوا كذلك من بعده :

( ولما جاء عيسى بالبينات قال : قد جئتكم بالحكمة ، ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ، فاتقوا الله وأطيعون . إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ، هذا صراط مستقيم . فاختلف الأحزاب من بينهم ، فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ) . .

فعيسى جاء قومه بالبينات الواضحات سواء من الخوارق التي أجراها الله على يديه ، أو من الكلمات والتوجيهات إلى الطريق القويم . وقال لقومه : ( قد جئتكم بالحكمة ) . ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، وأمن الزلل والشطط أمنه للتفريط والتقصير ؛ واطمأن إلى خطواته في الطريق على اتزان وعلى نور . وجاء ليبين لهم بعض الذي يختلفون فيه . وقد اختلفوا في كثير من شريعة موسى - عليه السلام - وانقسموا فرقاً وشيعاً . ودعاهم إلى تقوى الله وإلى طاعته فيما جاءهم به من عند الله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا جَآءَ عِيسَىَ بِالْبَيّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلاُبَيّنَ لَكُم بَعْضَ الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنّ اللّهَ هُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هََذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : ولما جاء عيسى بني إسرائيل بالبيّنات ، يعني بالواضحات من الأدلة . وقيل : عُني بالبيّنات : الإنجيل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَمّا جاءَ عِيسَى بالبَيّناتِ أي بالإنجيل . وقوله : قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بالْحِكْمَةِ قيل : عُني بالحكمة في هذا الموضع : النبوّة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بالْحِكْمَةِ قال : النبوّة .

وقد بيّنت معنى الحكمة فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده ، وذكرت اختلاف المختلفين في تأويله ، فأغنى ذلك عن إعادته .

وقوله : وَلاِبَيّنَ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ يقول : ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلأَبَيّنَ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ قال : من تبديل التوراة .

وقد قيل : معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكلّ ، وجعلوا ذلك نظير قول لبيد :

تَرّاكُ أمْكِنَةٍ إذَا لَمْ أَرْضها *** أوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النّفُوسِ حِمامُها

قالوا : الموت لا يعتلق بعض النفوس ، وإنما المعنى : أو يعتلق النفوس حمامها ، وليس لما قال هذا القائل كبير معنى ، لأن عيسى إنما قال لهم : وَلاِبَيّنَ لَكُمْ بَعْض الّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم ، فقال لهم : أبين لكم بعض ذلك ، وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم ، فلذلك خصّ ما أخبرهم أنه يبينه لهم . وأما قول لبيد : «أو يعتلق بعض النفوس » ، فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك ، لأنه أراد : أو يعتلق نفسه حمامها ، فنفسه من بين النفوس لا شكّ أنها بعض لا كلّ .

وقوله : فاتّقُوا اللّهَ وأطِيعُونِ يقول : فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته ، وخافوه باجتناب معاصيه ، وأطيعون فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره ، وقبول نصيحتي لكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (63)

«البينات » التي جاء بها عيسى عليه السلام هي : إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص ، إلى غير ذلك . وقال قتادة : الإنجيل . والحكمة : النبوءة قاله السدي وغيره .

وقوله : { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } قال أبو عبيدة : { بعض } بمعنى كل ، وهذا ضعيف ترده اللغة ، ولا حجة له من قول لبيد :

أو يعتلق بعض النفوس حمامها . . . لأنه أراد نفسه ونفس من معه ، وذلك بعض النفوس ، وإنما المعنى الذي ذهب إليه الجمهور ، أن الاختلاف بين الناس هو في أمور كثيرة لا تحصى عدداً ، منها أمور أخروية ودينية ، ومنها ما لا مدخل له في الدين ، فكل نبي فإنما يبعث ليبين أمر الأديان والآخرة ، فذلك بعض ما يختلف فيه .