النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ قَالَ قَدۡ جِئۡتُكُم بِٱلۡحِكۡمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي تَخۡتَلِفُونَ فِيهِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (63)

قوله عز وجل : { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبِيِّنَاتِ } فيها وجهان :

أحدهما : أنه الإنجيل ، قاله قتادة .

الثاني : أنه الآيات التي جاء بها من إحياء الموتى وإبراء الأسقام ، والإخبار بكثير من الغيوب ، قاله ابن عباس .

{ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ } فيه قولان :

أحدهما : بالنبوة ؛ قاله السدي .

الثاني : بعلم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح ؛ قاله ابن عيسى .

ويحتمل ثالثاً : أن الحكمة الإنجيل الذي أنزل عليه .

{ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } وفيه قولان :

أحدهما : تبديل التوراة ، قاله مجاهد .

الثاني : ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم ، حكاه ابن عيسى .

وفي قوله : { بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } أي كل الذي تختلفون فيه ، فكان البعض هنا بمعنى الكل لأنه ما اقتصر على بيان بعض دون الكل ؛ قاله الأخفش وأنشد لبيد :

ترّاك أمكنة إذا لم أرضها *** أو يعتلق بعض النفوس حمامها

والموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض .

الثاني : أنه بين لهم بعضه دون جميعه ، ويكون معناه أبين لكم بعض ذلك أيضاً وأكلكم في بعضه إلى الاجتهاد ، وأضمر ذلك لدلالة الحال عليه .