وفي الجانب الآخر تتجلى ثقة موسى - عليه السلام - واستهانته بالتحدي : ( قال ألقوا . . ) فهذه الكلمة الواحدة تبدو فيها قلة المبالاة ، وتلقي ظل الثقة الكامنة وراءها في نفس موسى . على طريقة القرآن الكريم في إلقاء الظلال ، بالكلمة المفردة في كثير من الأحايين .
ولكن السياق يفاجئنا بما فوجىء به موسى - عليه السلام - وبينما نحن في ظلال الاستهانة وعدم المبالاة ، إذا بنا أمام مظهر السحر البارع ، الذي يرهب ويخيف :
( فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم ، وجاءوا بسحر عظيم ) .
وحسبنا أن يقرر القرآن أنه سحر عظيم ، لندرك أي سحر كان . وحسبنا أن نعلم أنهم سحروا –( أعين الناس ) وأثاروا الرهبة في قلوبهم : ( واسترهبوهم ) لنتصور أي سحر كان ، ولفظ " استرهب " ذاته لفظ مصور . فهم استجاشوا إحساس الرهبة في الناس وقسروهم عليه قسراً . ثم حسبنا أن نعلم من النص القرآني الآخر في سورة طه ، أن موسى عليه السلام قد أوجس في نفسه خيفة لنتصور حقيقة ما كان !
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمّآ أَلْقُوْاْ سَحَرُوَاْ أَعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } . .
يقول تعالى ذكره : قال موسى للسحرة : ألْقُوا ما أنتم ملقون ، فألقت السحرة ما معهم . فَلَمّا ألْقَوْا ذلك سَحَرُوا أعْيُنَ النّاسِ خيلوا إلى أعين الناس بما أحدثوا من التخييل والخدع أنها تسعى . وَاسْتَرْهَبُوهُمْ يقول : واسترهبوا الناس بما سحروا في أعينهم ، حتى خافوا من العصيّ والحبال ، ظنا منهم أنها حيات . وَجاءُوا كما قاله الله بِسِحْرٍ عَظِيمٍ : بتخييل عظيم كثير ، من التخييل والخداع .
وذلك كالذي : حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال لهم موسى : ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم ، وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل ، ليس منهم رجل إلا معه حبل وعصا . فَلَمّا ألْقَوْا سَحَرُوا أعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ يقول : فَرّقوهم فأوجس في نفسه خيفة موسى .
حدثني عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ألقوا حبالاً غلاظا وخشبا طوالاً ، قال : فأقبلت تخيل إليه من سحرهم أنها تسعى .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : صفّ خمسة عشر ألف ساحر ، مع كلّ ساحر حباله وعصيه ، وخرج موسى معه أخوه يتكىء على عصاه حتى أتى الجمع وفرعون في مجلسه مع أشراف مملكته ، ثم قالت السحرة : يا مُوسَى إمّا أنْ تُلْقِيَ وَإمّا أنْ نكونَ أوّلَ منْ ألقى قَالَ بَلْ ألْقُوا فإذا حِبَالُهُمْ وعِصِيّهُمْ فكان أوّل ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون ، ثم أبصار الناس بعد ، ثم ألقى كلّ رجل منهم ما في يده من العصيّ والحبال ، فإذا هي حيات كأمثال الحبال ، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا . فأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى وقال : والله إن كانت لعصيّا في أيديهم ، ولقد عادت حيات ، وما تعدو هذا أو كما حدّث نفسه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي ، قال : حدثنا القاسم بن أبي بزّة ، قال : جمع فرعون سبعين ألف ساحر ، وألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا ، حتى جعل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى .
{ قال بل ألقوا } كرما وتسامحا ، أو ازدراء بهم ووثوقا على شأنه . { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه . { واسترهبوهم } وأرهبوهم إرهابا شديدا كأنهم طلبوا رهبتهم . { وجاءوا بسحر عظيم } في فنه . روي أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات ملأت الوادي ، وركب بعضها بعضا .
وقوله تعالى : { سحروا أعين الناس } نص في أن لهم فعلاً ما زائداً على ما يحدثونه من التزييف والآثار في العصا وسائر الأجسام التي يصرفون فيها صناعتهم { واسترهبوهم } بمعنى أرهبوهم أي فزعوهم فكأن فعلهم اقتضى واستدعى الرهبة من الناس ، ووصف الله سحرهم بالعظم ، ومعنى ذلك من كثرته ، وروي أنهم جلبوا ثلاثمائة وستين بعيراً موقرة بالحبال والعصي فلما ألقوها تحركت وملأت الوادي يركب بعضها بعضاً ، فاستهول الناس ذلك واسترهبوهم ، قال الزجاج : قيل إنهم جعلوا فيها الزئبق فكانت لا تستقر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.