محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ} (116)

[ 116 ] { قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءو بسحر عظيم ( 116 ) } .

{ قال } أي : موسى لهم { ألقوا } أي ما أنتم ملقون . وإنما سوغ لهم التقدم إزدراء لشأنهم ، وقلة مبالاة بهم ، وثقة بما كان بصدده من التأييد الإلهي ، وأن المعجزة لن يغلبها سحر أبدا { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } أي خيلوا لها ما ليس في الواقع { واسترهبوهم } أي وخوفوهم وأفزعوهم بما فعلوا من السحر ، كما في الآية الأخرى{[4179]} : { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ، فأوجس في نفسه خيفة موسى ، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى } { وجاءو بسحر عظيم } أي : في باب السحر ، أو في عين من رآه ، فإنه ألقى كل واحد عصاه ، فصارت العصي ثعابين .

تنبيه :

قال الجشمي : تدل الآيات على أن القوم أتوا بما في وسعهم من التمويه ، وكان الزمان زمان سحر ، والغالب عليهم الاشتغال به ، فأتى موسى عليه السلام من جنس ما هم فيه : ا لم يقدر عليه أحد ، ليعلموا أنه معجز وليس بسحر . وهكذا ينبغي في المعجزات أن تكون من جنس ما هو شائع في القوم ، ويتعذر عليهم مثله . وكان الطب هو الغالب في زمن عيسى ، فجاء بإحياء الميت ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وليس ذلك في وسع طبيب . وكان الغالب في زمن نبينا عليه السلام الفصاحة والخطب والشعر ، فجاء القرآن وتحداهم به . وتدل على أنهم بالحيل جعلوا الحبال والعصي متحركة ، حتى أوهموا أنها أحياء . ولكن لما وقف على أصل ما فعلوه وعلم ، وكان مثله مقدورا لكل من يتعاطى صناعتهم ، عُلم أنه شعبذة ، ولهذا تتفارق المعجزة والشعبذة ، أنه يوقف على أصلها ، ويمكن إتيان مثلها ، ويخفى أمرها ، بخلاف المعجزة .

ثم قال : وتدل على اعتراف فرعون بالذل والضعف ، حيث استغاث بهم وبمهنتهم لدفع مكروه . انتهى .


[4179]:- [20/ طه / 66/ و68].