وكأنما أفاق زكريا من غمرة الرغبة وحرارة الرجاء ، على هذه الاستجابة القريبة للدعاء . فإذا هو يواجه الواقع . . إنه رجل شيخ بلغ من الكبر عتيا ، وهن عظمه واشتعل شيبه ، وامرأته عاقر لم تلد له في فتوته وصباه : فكيف يا ترى سيكون له غلام ? إنه ليريد أن يطمئن ، ويعرف الوسيلة التي يرزقه الله بها هذا الغلام : ( قال : رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ? ) .
إنه يواجه الواقع ، ويواجه معه وعد الله . وإنه ليثق بالوعد ، ولكنه يريد أن يعرف كيف يكون تحقيقه مع ذلك الواقع الذي يواجهه ليطمئن قلبه . وهي حالة نفسية طبيعية . في مثل موقف زكريا النبي الصالح . الإنسان ! الذي لا يملك أن يغفل الواقع ، فيشتاق أن يعرف كيف يغيره الله !
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً } .
يقول تعالى ذكره : قال زكريا لما بشره الله بيحيى : ربّ أنّي يكونُ لي غُلام ، ومن أيّ وجه يكون لي ذلك ، وامرأتي عاقر لا تحبل ، وقد ضعُفت من الكبر عن مباضعة النساء أبأن تقوّيني على ما ضعفت عنه من ذلك ، وتجعل زوجتي ولودا ، فإنك القادر على ذلك وعلى ما تشاء ، أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ، يستثبت ربه الخبر ، عن الوجه الذي يكون من قبله له الولد ، الذي بشره الله به ، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ، وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشّره به ، وهو المبتدىء مسألة ربه ذلك بقوله : فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ بعد قوله إنّي وَهَنَ العَظْمُ مِني وَاشْتَعَلَ الرّأسُ شَيْبا . وقال السدّي في ذلك ما :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : نادى جبرائيل زكريا : إنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بغُلام اسمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا فلما سمع النداء ، جاءه الشيطان فقال : يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله ، إنما هو من الشيطان يسخر بك ، ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك غيره من الأمر ، فشكّ وقال : إنّي يَكُونُ لي غُلامٌ يقول : من أين يكون وَقَدْ بَلَغَنِيَ الكِبَرُ وَامْرَأتِي عاقِرٌ .
وقوله : وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيّا يقول : وقد عتوت من الكبر فصرت نحل العظام يابسها ، يقال منه للعود اليابس : عود عاتٍ وعاسٍ ، وقد عتا يعتو عِتِيّا وعُتُوّا ، وعسى يعسو عِسِيا وعسوّا ، وكلّ متناه إلى غايته في كبر أو فساد ، أو كفر ، فهو عات وعاس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قد علمتُ السنة كلها ، غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ، ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف : وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيّا أو «عِسِيّا » .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيّا قال : يعني بالعِتيّ : الكبر . .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله عِتِيّا قال : نُحول العظم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله مِنَ الكِبَرِ عِتِيّا قال : سنّا ، وكان ابن بضع وسبعين سنة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَقَدْ بَلَغْت مِنَ الكِبَرِ عِتِيّا قال : العتيّ : الذي قد عتا عن الولد فيما يرى نفسه لا يولد له .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَقَدْ بَلَغْتُ منَ الكبَرِ عتيّا قال : هو الكبر .
{ قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا } جساوة وقحولا في المفاصل ، وأصله عتو وكقعود فاستثقلوا توالي الضمتين والواوين فكسروا التاء فانقلبت الواو الأولى ياء ، ثم قلبت الثانية وأدغمت وقرأ حمزة والكسائي وحفص { عتيا } بالكسر ، وإنما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافا بأن المؤثر فيه كمال قدرته وأن الوسائط عند التحقيق ملغاة ولذلك : { قال } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.