في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (50)

44

وهذه نهاية الإنصاف ، وغاية المطاولة بالحجة ، فمن لم يجنح إلى الحق بعد هذا فهو ذو الهوى المكابر ، الذي لا يستند إلى دليل :

( فإن لم يستجيبوا لك ، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ? إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .

إن الحق في هذا القرآن لبين ؛ وإن حجة هذا الدين لواضحة ، فما يتخلف عنه أحد يعلمه إلا أن يكون الهوى هو الذي يصده . وإنهما لطريقان لا ثالث لهما : إما إخلاص للحق وخلوص من الهوى ، وعندئذ لا بد من الإيمان والتسليم . وإما مماراة في الحق واتباع للهوى فهو التكذيب والشقاق . ولا حجة من غموض في العقيدة ، أو ضعف في الحجة ، أو نقص في الدليل . كما يدعي أصحاب الهوى المغرضون .

( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ) . .

وهكذا جزما وقطعا . كلمة من الله لا راد لها ولا معقب عليها . . إن الذين لا يستجيبون لهذا الدين مغرضون غير معذورين . متجنون لا حجة لهم ولامعذرة ، متبعون للهوى ، معرضون عن الحق الواضح :

( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ? ) . .

وهم في هذا ظالمون باغون :

( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (50)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِن لّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنّمَا يَتّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلّ مِمّنْ اتّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللّهِ إِنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : فإن لم يجبك هؤلاء القائلون للتوراة والإنجيل : سحران تظاهرا ، الزاعمون أن الحقّ في غيرهما ، من اليهود يا محمد ، إلى أن يأتوك بكتاب من عند الله ، هو أهدى منهما ، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ، وأن الذي ينطقون به ، ويقولون في الكتابين ، قول كذب وباطل لا حقيقة له ، ولعل قائلاً أن يقول : أو لم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلم أن ما قال القائلون من اليهود وغيرهم في التوراة والإنجيل من الإفك والزور ، المسموهما سحرين : باطل من القول ، إلاّ بأن لا يجيبوه إلى إتيانهم بكتاب هو أهدى منهما ؟ قيل : هذا كلام خرج مخرج الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمراد به المقول لهم أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل من كفار قريش ، وذلك أنه قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لمشركي قريش : أو لم يكفر هؤلاء الذين أمروكم أن تقولوا : هلا أوتي محمد مثل ما أوتي موسى ، بالذي أوتي موسى من قبل هذا القرآن ، ويقولوا للذي أنزل عليه وعلى عيسى سِحْرَانِ تَظاهَرَا فقولوا لهم إن كنتم صادقين أن ما أوتي موسى وعيسى سحر ، فأتوني بكتاب من عند الله ، هو أهدى من كتابيهما ، فإن هم لم يجيبوكم إلى ذلك فاعلموا أنهم كذبة ، وأنهم إنما يتبعون في تكذيبهم محمدا ، وما جاءهم به من عند الله أهواء أنفسهم ، ويتركون الحقّ وهم يعلمون . يقول تعالى ذكره : ومن أضلّ عن طريق الرشاد ، وسبيل السداد ممن اتبع هوى نفسه بغير بيان من عند الله ، وعهد من الله ، ويترك عهد الله الذي عهده إلى خلقه في وحيه وتنزيله إنّ اللّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالمِينَ يقول تعالى ذكره : إن الله لا يوفق لإصابة الحقّ وسبيل الرشد القوم الذين خالفوا أمر الله وتركوا طاعته ، وكذّبوا رسوله ، وبدّلوا عهده ، واتبعوا أهواء أنفسهم إيثارا منهم لطاعة الشيطان على طاعة ربهم .