في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

الدرس الثالث : 6 شهادة أولي العلم بالحق الذي مع الرسول عليه السلام

وبمناسبة جزمهم بأن الساعة لا تأتيهم - وهي غيب من غيب الله - وتأكيد الله لمجيئها - وهو عالم الغيب - وتبليغ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ما أمره ربه بتبليغه من أمرها يقرر أن ( الذين أوتوا العلم )يدركون ويشهدون بأن ما جاءه من ربه هو الحق وأنه يهدي إلى طريق العزيز الحميد :

( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ، ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ) . .

وقد ورد أن المقصود بالذين أوتوا العلم هم أهل الكتاب ، الذين يعلمون من كتابهم أن هذا القرآن هو الحق ، وأنه يقود إلى صراط العزيز الحميد .

ومجال الآية أكبر وأشمل . فالذين أوتوا العلم في أي زمان وفي أي مكان ، من أي جيل ومن أي قبيل ، يرون هذا متى صح علمهم واستقام ؛ واستحق أن يوصف بأنه( العلم ) ! والقرآن كتاب مفتوح للأجيال . وفيه من الحق ما يكشف عن نفسه لكل ذي علم صحيح . وهو يكشف عن الحق المستكن في كيان هذا الوجود كله . وهو أصدق ترجمة وصفية لهذا الوجود وما فيه من حق أصيل .

( ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ) . .

وصراط العزيز الحميد هو المنهج الذي أراده للوجود ؛ واختاره للبشر لينسق خطاهم مع خطى هذا الكون الذي يعيشون فيه . وهو الناموس الذي يهيمن على أقدار هذا الكون كله ، بما فيه من الحياة البشرية التي لا تنفصل في أصلها ونشأتها ، ولا في نظامها وحركتها عن هذا الكون وما فيه ومن فيه .

يهدي إلى صراط العزيز الحميد بما ينشئه في إدراك المؤمن من تصور للوجود وروابطه وعلاقاته وقيمه ؛ ومكان هذا الإنسان منه ، ودوره فيه ؛ وتعاون أجزاء هذا الكون من حوله - وهو معها - في تحقيق مشيئة الله وحكمته في خلقه ؛ وتناسق حركات الجميع وتوافقها في الاتجاه إلى باريء الوجود .

ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بتصحيح منهج التفكير ، وإقامته على أسس سليمة ، متفقة مع الإيقاعات الكونية على الفطرة البشرية ؛ بحيث يؤدي هذا المنهج بالفكر البشري إلى إدراك طبيعة هذا الكون وخواصه وقوانينه ، والاستعانة بها ، والتجاوب معها بلا عداء ولا اصطدام ولا تعويق .

ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بمنهجه التربوي الذي يعد الفرد للتجاوب والتناسق مع الجماعة البشرية . ويعد الجماعة البشرية للتجاوب والتناسق - أفراداً وجماعات - مع مجموعة الخلائق التي تعمر هذا الكون ! ويعد هذه الخلائق كلها للتجاوب والتناسق مع طبيعة الكون الذي تعيش فيه . . كل ذلك في بساطة ويسر ولين .

ويهدي إلى صراط العزيز الحميد بما فيه من نظم وتشريعات مستقيمة مع فطرة الإنسان وظروف حياته ومعاشه الأصيلة ، متناسقة مع القوانين الكلية التي تحكم بقية الأحياء ، وسائر الخلائق ؛ فلا يشذ عنها الإنسان بنظمه وتشريعاته . وهو أمة من هذه الأمم في نطاق هذا الكون الكبير .

إن هذا الكتاب هو الدليل إلى هذا الصراط . الدليل الذي وضعه خالق الإنسان وخالق الصراط ، العارف بطبيعة هذا وذاك . وإنك لتكون حسن الطالع وأنت تقوم برحلة في طريق لو حصلت على دليل من وضع المهندس الذي أنشأ هذا الطريق . فكيف بمنشىء الطريق ومنشىء ء السالك في الطريق ? !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَرَى الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ هُوَ الْحَقّ وَيَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } .

يقول تعالى ذكره : أثبت ذلك في كتاب مبين ، ليجزي الذين آمنوا ، والذين سعوا في آياتنا ما قد بين لهم ، وليرى الذين أوتوا العلم فيرى في موضع نصب عطفا به على قوله : يَجزي ، في قوله : لِيَجْزِيَ الّذِينَ آمَنُوا . وعنى بالذين أوتوا العلم : مسلمة أهل الكتاب كعبد الله بن سلام ، ونظرائه الذين قد قرؤوا كتب الله التي أُنزلت قبل الفرقان ، فقال تعالى ذكره : وليرى هؤلاء الذين أوتوا العلم بكتاب الله الذي هو التوراة ، الكتاب الذي أُنزل إليك يا محمد من ربك هو الحقّ .

وقيل : عني بالذين أوتوا العلم : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيَرَى الّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رّبّكَ هُوَ الحَقّ قال : أصحاب محمد .

وقوله : وَيهْدِي إلى صِراطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ يقول : ويرشد من اتبعه ، وعمل بما فيه إلى سبيل الله العزيز في انتقامه من أعدائه ، الحميد عند خلقه ، فأياديه عندهم ، ونعمه لديهم . وإنما يعني أن الكتاب الذي أُنزل على محمد يهدي إلى الإسلام .