وفي ظل هذا المشهد يوجه الخطاب إلى المعاندين المكابرين ، ليستجيبوا لربهم قبل أن يفجأهم مثل هذا المصير فلا يجدوا لهم ملجأ يقيهم ، ولا نصيراً ينكر مصيرهم الأليم ، ويوجه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى التخلي عنهم إذا هم أعرضوا فلم يستجيبوا لهذا النذير ؛ فما عليه إلا البلاغ ، وما هو مكلف بهم ولا كفيل :
( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ، ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير . فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ ) . .
قوله تعالى : " استجيبوا لربكم " أي أجيبوه إلى ما دعاكم إليه من الإيمان به والطاعة . استجاب وأجاب بمعنى ، وقد تقدم . " من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله " يريد يوم القيامة ، أي لا يرده أحد بعد ما حكم الله به وجعله أجلا ووقتا . " ما لكم من ملجأ يومئذ " أي من ملجأ ينجيكم من العذاب . " وما لكم من نكير " أي من ناصر ينصركم . قاله مجاهد . وقيل : النكير بمعنى المنكر ، كالأليم بمعنى المؤلم ، أي لا تجدون يومئذ منكرا لما ينزل بكم من العذاب ، حكاه ابن أبى حاتم . وقاله الكلبي . الزجاج : معناه أنهم لا يقدرون أن ينكروا الذنوب التي يوقفون عليها . وقيل : " من نكير " أي إنكار ما ينزل بكم من العذاب ، والنكير والإنكار تغيير المنكر .
ولما كان هذا ، أنتج قطعاً قوله : { استجيبوا } أي اطلبوا الإجابة وأوجدوها ، ولفت القول إلى الوصف الإحساني تذكيراً بما يحث على الوفاق ، ويخجل من الخلاف والشقاق ، فقال : { لربكم } الذي لم تروا إحساناً إلا وهو منه فيما دعاكم إليه برسوله صلى الله عليه وسلم من الوفاء بعهده في أمره ونهيه ، ولا تكونوا ممن ترك ذلك فتكونوا ممن علم أنه أضله فانسد عليه السبيل .
ولما كان الخوف من الفوت موجباً للمبادرة ، قال مشيراً بالجار إلى أنه يعتد بأدنى خير يكون في أدنى زمن يتصل بالموت : { من قبل أن يأتي يوم } أي يكون فيه ما لا يمكن معه فلاح ؛ ثم وصفه بقوله لافتاً إلى الاسم الأعظم الجامع لأوصاف الإحسان والإنعام على المطيعين والقهر والانتقام من العاصين : { لا مرد } أي لا رد ولا موضع رد ولا زمان رد { له } كائن { من الله } أي الذي له جميع العظمة وإذا لم يكن له مرد منه لم يكن له مرد من غيره ، ومتى عدم ذاك أنتج قوله : { ما لكم } وأعرق في النفي بقوله : { من ملجأ يومئذ } أي مكان تلجأون إليه في ذلك اليوم وحصن تتحصنون فيه من شيء تكرهونه ، وزاد في التأكيد بإعادة النافي وما في حيزه إبلاغاً في التحذير فقال : { وما لكم من نكير * } أي من إنكار يمكنكم به من النجاة لأن الحفظة يشهدون عليكم فإن صدقتموهم وإلا شهدت عليكم أعضاؤكم وجلودكم ، ولا لكم من أحد ينكر شيئاً مما تتجاوزون به ليخلصكم منه .
قوله تعالى : { اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ( 47 ) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ } .
هاتان آيتان عظيمتان حافلتان بجليل المعاني ، كالتذكير بيوم القيامة وما فيها من شديد الأهوال ، والأمور المخُوفة الجسام . إلى غير ذلك من التنبيه إلى أن نبي الله محمدا صلى الله عليه وسلم ما أرسل إلى الناس وكيلا أو رقيبا . وإنما هو منذر وهاد . وأن الإنسان بسجيته المفطورة على الضعف ، لهو شديد الفرح بالنعمة ، سريع النسيان والجحود إذا دهمته المصائب .
قوله : { اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ } يقول الله لعباده : أجيبوا دعوة الله إليكم ؛ إذْ دعاكم إلى الإيمان به وبكتبه ورسله واليوم الآخر وحذركم من عصيانه ومخالفة أمره من قبل أن تقوم القيامة وهو حدث كوني هائل رعيب يتزلزل به الوجود كله ولا يره أحد بعد ما قضى الله بحدوثه .
قوله : { مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ } أي ليس لكم حينئذ من مهرب أو معقل تلجأون إليه فتعتصمون به مما هو نازل بكم يوم القيامة { وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ } أي ليس لكم من ناصر ينصركم . وقيل : ليس لكم من إنكار يومئذ ؛ إذ تعترفون بذنوبكم فلا تستطيعون أن تنكروا شيئا مما اقترفتموه من الذنوب في دنياكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.