في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (41)

39

والجولة الثالثة - بعد نفي أن يكون للشركاء ذكر ولا خبر في السماوات ولا في الأرض - تكشف عن يد الله القوية الجبارة تمسك بالسماوات والأرض وتحفظهما وتدبر أمرهما بلا شريك :

( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده . إنه كان حليماً غفوراً ) . .

ونظرة إلى السماوات والأرض ؛ وإلى هذه الأجرام التي لا تحصى منتثرة في ذلك الفضاء الذي لا تعلم له حدود . وكلها قائمة في مواضعها ، تدور في أفلاكها محافظة على مداراتها ، لا تختل ، ولا تخرج عنها ، ولا تبطىء أو تسرع في دورتها ، وكلها لا تقوم على عمد ، ولا تشد بأمراس ، ولا تستند على شيء من هنا أو من هناك . . نظرة إلى تلك الخلائق الهائلة العجيبة جديرة بأن تفتح البصيرة على اليد الخفية القاهرة القادرة التي تمسك بهذه الخلائق وتحفظها أن تزول .

ولئن زالت السماوات والأرض عن مواضعها ، واختلت وتناثرت بدداً ، فما أحد بقادر على أن يمسكها بعد ذلك أبداً . وذلك هو الموعد الذي ضربه القرآن كثيراً لنهاية هذا العالم . حين يختل نظام الأفلاك وتضطرب وتتحطم وتتناثر ؛ ويذهب كل شيء في هذا الفضاء لا يمسك أحد زمامه .

وهذا هو الموعد المضروب للحساب والجزاء على ما كان في الحياة الدنيا . والانتهاء إلى العالم الآخر ، الذي يختلف في طبيعته عن عالم الأرض اختلافاً كاملاً .

ومن ثم يعقب على إمساك السماوات والأرض أن تزولا بقوله :

( إنه كان حليماً غفوراً ) . .

( حليماً )يمهل الناس ، ولا ينهي هذا العالم بهم ، ولا يأخذ بنواصيهم إلى الحساب والجزاء إلا في الأجل المعلوم . ويدع لهم الفرصة للتوبة والعمل والاستعداد . ( غفوراً )لا يؤاخذ الناس بكل ما اجترموا ، بل يتجاوز عن كثير من سيئاتهم ويغفرها متى علم فيهم خيراً . وهو تعقيب موح ينبه الغافلين لاقتناص الفرصة قبل أن تذهب فلا تعود .