البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (41)

ولما بين تعالى فساد أمر الأصنام ووقف الحجة على بطلانها ، عقبة بذكر عظمته وقدرته ليتبين الشيء بضده ، وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله فقال : { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا } : والظاهر أن معناه أن تنتقلا عن أماكنهما وتسقط السموات عن علوها .

وقيل : معناه أن تزولا عن الدوران . انتهى .

ولا يصح أن الأرض لا تدور .

ويظهر من قول ابن مسعود : أن السماء لا تدور ، وإنما تجري فيها الكواكب .

وقال : كفى بها زوالاً أن تدور ، ولو دارت لكانت قد زالت .

وأن تزولا في موضع المفعول له ، وقدر لئلا تزولا ، وكراهة أن تزولا .

وقال الزجاج : يمسك : يمنع من أن تزولا ، فيكون مفعولاً ثانياً على إسقاط حرف الجر ، ويجوز أن يكون بدلاً ، أي يمنع زوال السموات والأرض ، بدل اشتمال .

{ ولئن زالتا } : إن تدخل غالباً على الممكن ، فإن قدرنا دخولها على الممكن ، فيكون ذلك باعتبار يوم القيامة عند طي السماء ونسف الجبال ، فإن ذلك ممكن ، ثم واقع بالخبر الصادق ، أي ولئن جاء وقت زوالهما .

ويجوز أن يكون ذلك على سبيل الفرض ، أي ولئن فرضنا زوالهما ، فيكون مثل لو في المعنى .

وقد قرأ ابن أبي عبلة : ولو زالتا ، وإن نافية ، وأمسكهما في معنى المضارع جواب للقسم المقدّر قبل لام التوطئة في لئن ، وإنما هو في معنى المضارع لدخول إن الشرطية ، كقوله : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } أي ما يتبعون ، وكقوله : { ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا } أي ليظلوا ، فيقدّر هذا كله مضارعاً لأجل إن الشرطية ، وجواب إن في هذه المواضع محذوف لدلالة جواب القسم عليه .

قال الزمخشري : و { إن أمسكها } جواب القسم في { ولئن زالتا } ، سدّ مسدّ الجوابين .

انتهى ، يعني أنه دل على الجواب المحذوف ، وإن أخذ كلامه على ظاهره لم يصح ، لأنه لو سدّ مسدّهما لكان له موضع من الإعراب باعتبار جواب الشرط ، ولا موضع له من الإعراب باعتبار جواب القسم .

والشيء الواحد لا يكون معمولاً غير معمول .

ومن في { من أحد } لتأكيد الاستغراق ، ومن في { من بعده } لابتداء الغاية ، أي من بعد ترك إمساكه .

وسأل ابن عباس رجلاً أقبل من الشام : من لقيت ؟ قال كعباً ، قال : وما سمعته يقول ؟ قال : إن السموات على منكب ملك ، قال : كذب كعب ، أما ترك يهوديته بعد ؟ ثم قرأ هذه الآية .

وقال ابن مسعود لجندب البجلي ، وكان رجل : أي كعب الأحبار في كلام آخره ما تمكنت اليهودية في قلب وكادت أن تفارقه .

وقالت طائفة : اتصافه بالحلم والغفران في هذه الآية إنما هو إشارة إلى أن السماء كادت تزول ، والأرض كذلك ، لإشراك الكفرة ، فيمسكها حكماً منه عن المشركين وتربصاً ليغفر لمن آمن منهم ، كما قال في آخر آية أخرى : { تكاد السماء يتفطرن منه } الآية .

وقال الزمخشري : { حليماً غفوراً } ، غير معاجل بالعقوبة ، حيث يمسكها ، وكانتا جديرتين بأن تهدهد العظم كلمة الشرك ، كما قال { تكاد السموات يتفطرن منه } الآية .