السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (41)

ولما بين تعالى حقارة الأصنام بين عظمته سبحانه بقوله تعالى : { إن الله } أي : الذي له جميع صفات الكمال { يمسك السماوات } أي : على كبرها وعلوها { والأرض } أي : على سعتها وبعدها عن التماسك على ما تشاهدون ، وقوله تعالى { أن تزولا } أي : برجة عظيمة وزلزلة كبيرة يجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي : كراهة أن تزولا ، وقيل : لئلا تزولا ، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً على إسقاط الخافض أي : يمنعهما من أن تزولا ، ويجوز أن يكون بدل اشتمال أي : يمنع زوالهما ؛ لأن ثباتهما على ما هما عليه على غير القياس لولا شامخ قدرته وباهر عزته وعظمته ، فإن ادعيتم عناداً أن شركاءكم لا يقدرون على الخلق لعلة من العلل فادعوهم لإزالة ما خلق الله تعالى .

ولما كان في هذا دليل على أنهما حادثتان زائلتان أتبعه ما هو أبين منه بقوله تعالى : معبراً بأداة الإمكان { ولئن } لام قسم { زالتا } أي : بزلزلة خراب أو غير ذلك { إن } أي : ما { أمسكهما من أحد من بعده } جواب القسم الموطأ له بلام القسم وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم ، ولذلك كان فعل الشرط ماضياً ، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري : والجملة سدت مسد الجوابين فيه تجوز ، فالمراد بسدهما مسدهما أنها تدل عليهما لا أنها قائمة مقامهما إذ يلزم أن تكون معمولة وغير معمولة ؛ لأنها باعتبار جواب القسم لا محل لها من الإعراب ، وباعتبار جواب الشرط لها محل ، ومن في { من أحد } مزيدة لتأكيد الاستغراق وفي { من بعده } لابتداء الغاية ، والمعنى : أحد سواه أو من بعد الزوال { إنه كان } أي : أزلاً وأبداً { حليماً } إذ أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدّا هدّاً كما قال تعالى { تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً } ( مريم : 90 ) لأنه لا يستعجل إلا من يخاف الفوت فينتهز الفرصة { غفوراً } أي : محاء لذنوب من رجع إليه وأقبل بالاعتراف عليه فلا يعاقبه ولا يعاتبه .