تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (41)

الآية 41 وقوله تعالى : { إن الله يُمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده } .

يحتمل أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله : { أروني ماذا خلقوا من الأرض } فإن كان على هذا ، فيقول : تعلمون أن الله ، هو رافع السماوات والأرض ، والمُمسك لهما ، والمانع أن تزولا عن مكانهما ، لا يقدر أحد على إعادتهما ولا إمساكهما سواه . فكيف تعبدون من لا يملك ذلك ؟

[ ويحتمل ]{[17338]} أن يكون ذلك قوله : { تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشق الأرض } الآية [ مريم : 90 ] كادت تتفطّر{[17339]} ، وتنشق ، حين قالوا : لله ولد ، وله شريك . فإذا قالوا : { اتخذ الله ولدا } [ البقرة : 116 و . . ] كادتا تزولان{[17340]} من مكانهما ، وتسقط عليهم بعظيم ما قالوا في الله ، سبحانه .

وجائز أن يكون لا على الصلة بشيء مما ذكرنا ، ولكن على الابتداء . فإن كان على الابتداء ، فهو يخبر عن قدرته وسلطانه حين{[17341]} رفع السماء ، وأمسكها في الهواء مع غِلظها وشدتها بلا عمد من تحت ولا شيء من فوق ، يمنعها عن الانحدار والزوال عن مكانها والإقرار على ذلك والتقرير .

وفي الشاهد أن ليس في وسع أحد من الخلائق إمساك الشيء في الهواء ولا إقامته إلا بأحد هذين السببين إما من تحت وإما من فوق . وكذلك الأرض حيث دحاها ، وبسطها على الماء ، ومن طبعها التّسرب والتّسفل في الماء لا القرار عليه حيث لا يُحفر مكان منها إلا ويخرج منه الماء . فدل تقرير الأرض على الماء ، وإمساك السماء في الهواء بلا شيء يقرّهما ، ويمنعها عن التسفيل والانحدار ، أنه الواحد القادر بذاته ، لا يُعجزه شيء .

وقوله تعالى : { إنه كان حليما غفورا } { حليما } حين{[17342]} لم يرسل السماوات عليهم بعظيم فِريتهم على الله والقول فيه بما لا يليق به : { سبحانه وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرا } [ الإسراء : 43 ] وحين{[17343]} لم يجعل عقوبتهم في الدنيا { غفورا } حين{[17344]} ستر عليهم ذلك ، ولم يفضحهم في الدنيا ، والله أعلم .


[17338]:في الأصل وم: أو.
[17339]:في الأصل وم: أن يتفطرن.
[17340]:في الأصل وم: ان تزولا.
[17341]:في الأصل وم: حيث.
[17342]:في الأصل وم: حيث.
[17343]:في الأصل وم: حيث.
[17344]:في الأصل وم: حيث.