قوله تعالى : { إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ } لما بين أنه لا خلق للأصنام ولا قدرة لها بين أن الله قادر بقوله : إن الله يمسك السموات والأرض . ويحتمل أن يقال : لما بين شركهم قال : مقتضى شركهم زوال السموات والأرض كقوله تعالى : { تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً } [ مريم : 90-91 ] ويؤيد هذا قوله في آخر الآية «إنَّ اللَّهَ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً » حليماً ما ترك تعذيبهم إلا حلماً منه وإلا كانوا يستحقون إسْقَاط السّماء وانطباق الأرض عليهم . وإنما أَخَّر إزالة السموات لقيام الساعة حكماً . ويحتمل أن يقال : إن ذلك من باب التسليم وإثبات المطلوب كأنه تعالى قال : شُرَكَاؤُكم مَا خَلَقُوا من الأرض شيئاً ولا من السماء جزءاً{[45532]} لا قدرة لهم على الشفاعة فلا عِبَادة لهم وهَبْ أنهم فعلوا شيئاً من الأشياء فهل يقدرون على إمْسَاكِ السموات والأرض ولا يمكنهم القول بأنهم يَقْدِرُون لأنهم ما كانوا يقولون ذلك كما قال تعالى عنهم : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } [ لقمان : 25 ] ويؤيد هذا قوله : { وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } فإذن تبين أن لا معبودّ إلاَّ الله من حيث إن غيره لم يخلق شيئاً من الأشياء وإن قال كافرٌ بأن غيره خلق فما خلق مثل ما خلق فلا شريك{[45533]} .
قوله : { أَن تَزُولاَ } يجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي كَرَاهَةَ أَنْ تَزُولاَ{[45534]} وقيل : لئلا تزولا{[45535]} ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً على إسقاط الخافض أي يمنعهما من أن تزولا كذا قدره أبو إسحاق{[45536]} ويجوز أن يكون بدل اشتمال أي يمنع{[45537]} زوالهما{[45538]} .
قوله : { إِنْ أَمْسَكَهُمَا } جواب القسم الموطأ له بلام القسم{[45539]} وجواب الشرط محذوف{[45540]} يدل عليه جواب القسم ولذلك كان فعل الشرط ماضياً . وقول الزمخشري : إنه سدّ مسد الجوابين{[45541]} يعني أنه دال على جواب الشرط .
قال أبو حيان ؛ وإن أُخذ كلامه على ظاهر لم يصح لأنه لو سد مسدهما لكان له موضع من الإعراب من حيث إنه سد مسدّ جواب الشرط ولا موضع له من حيث إنه سد مسد جواب القسم ، والشيء الواحد لا يكون معمولاً غير معمول{[45542]} و «مِنْ أَحَدٍ » من مزيدة لتأكيد الاستغراق و «مِنْ بَعْدِهِ » من لابتداء الغاية{[45543]} والمعنى أَحَدٌ سواه{[45544]} «إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غفوراً » ، «حليماً » حيث لم يعجل في إهلاكهم بعد إصرارهم على إشراكهم «غفوراً » لمن تاب ويرحمه وإن إستحق{[45545]} العِقَابَ .
فإن قيل : ما معنى ذكر الحليم هَهُنَا ؟ قيل : لأن السموات والأرض همت بما همت من عقوبة الكفار فأمسكهما الله - عزّ وجلّ- عن الزوال لحلمه وغفرانه أن يعاجلهم بالعقُوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.