في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (62)

55

ثم أمنه من خداعهم ، إن هم أرادوا خيانته ، وبيتوا الغدر من وراء الجنوح إلى السلم . وقال له : إن الله حسبه وكافيه وحافظه ؛ وهو الذي أيده بنصره - في بدر - وأيده بالمؤمنين وجمع قلوبهم على الود والإخاء في الإسلام ؛ وكانت عصية على التآلف ، لا يملك تأليفها إلا الله القدير الحكيم :

( وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ، هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ، وألف بين قلوبهم ، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ، ولكن الله ألف بينهم ، إنه عزيز حكيم ) . .

حسبك الله ، فهو كافيك ، وهو الذي أيدك بنصره أول مرة ، وأيدك بالمؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؛ وجعل منهم قوة موحدة ، بعد أن كانت قلوبهم شتى ، وعداواتهم جاهرة وبأسهم بينهم شديداً . سواء كان المقصود هم الأوس والخزرج - وهم الأنصار - فقد كان بينهم في الجاهلية من الثارات والدماء والمنازعات ما يستحيل معه الالتئام فضلاً على هذا الإخاء الذي لم تعرف له الأرض نظيراً ولا شبيهاً . . أو كان المقصود هم المهاجرون ، وهم كانوا كالأنصار في الجاهلية . . أو كان الجميع مقصودين ، فقد كانت هذه هي حالة عرب الجزيرة جميعاً !